الخميس, 28 مارس, 2024
الرئيسية / قسم الاخبار / الاخبار الرئيسية / عبد الرزاق الربيعي: يظل العراق جرحاً نازفاً كلما حاولنا أن نطويه ينزّ ألماً

عبد الرزاق الربيعي: يظل العراق جرحاً نازفاً كلما حاولنا أن نطويه ينزّ ألماً

من يخلص للشعر يخلص له

أكتب للمسرح نصاً أدبياً

شاعر من طراز مختلف، عاصر عمالقة الأدب والشعر العربي، واكتسب منهم حب الكلمة والبوح، سكن الابداع في مداده، وخط حروفه بريشة فنان، فكان هذه الكلمات تحمل كل معاني الأدب حيث كان يوظفها حسبما يرغب شعرا او قصة أو مسرحا أو عملا صحفياً، لكن رغم انشغالاته بالأدب والابداع إلا أن عراقه ظل في داخله وبات ينسجه بين السطور، فلا تجد أي ابداع له إلا والعراق فيه إلا وغربته عن العراق تسكنه، هو الشاعر العراقي عبد الرزاق الربيعي الذي كان لنا معه هذا الحوار

“آه أيتها العاصفة” مسرحية وجدت لها طريقا في اليمن كيف كانت ظروف عرض هذه المسرحية؟

أعادني هذا السؤال إلى عام 1996، عندما كنت أجتمع بالمخرج الراحل كريم جثير، بشكل شبه يومي، ونخطّط لعرض مسرحي نعكس من خلاله بشاعة الحرب، وما خلّفته في المجتمع من مآس، فكان عرض”آه أيّتها العاصفة” الذي قدّم للمرّة الأولى في قاعة مؤسسة العفيف، بحضور نخبة من المبدعين العرب يتقدّمهم الشاعر الكبير سليمان العيسى، فأحدث أثرا طيّبا، حفّزنا على أعادة عرضه في أكثر من مكان بصنعاء، ونال اهتماما نقديا، وحضورا جماهيريا، فسافر به المخرج إلى تورنتو الكنديّة، ليشارك به في مهرجان دولي، إلى جانب أماكن أخرى.

ما الأثر الذي تركه بك؟

كان الأثر كبيرا، وقد عرفت من خلاله أن التناغم مع المخرج وفريق العرض هو شرط أساسي لنجاح أي عرض، فالنصوص التي سبقت “آه أيتها العاصفة” ظلّت حبرا على ورق، ولم تخرج إلى الجمهور، لعدم وجود المخرج الذي يحاور النص بحضوري، ففي النهاية حين أكتب للمسرح، فإنني أكتب نصّا أدبيا، وهو بالتأكيد حين ينتقل إلى الخشبة لابد من اشتغال آخر، يحوّل الكلمات إلى صور، وشخوص تتحرك على المسرح، ومنها شقت نصوصي طريقها إلى خشبة المسرح، حتى تلك التي كتبتها قبل” آه أيتها العاصفة”

كانت اليمن هي بوابة لانطلاق هذه المسرحية أخبرني عن نجاحاتك بها؟

عندما وصلت صنعاء عام1994 وجدتها ساحة ثقافية مليئة بالحركة، والفضل يعود إلى الدكتور عبد العزيز المقالح، ودوره في تنشيط هذا الحراك، بفضل علاقاته الواسعة بالأدباء، والأكاديميين العرب الذين يعملون في جامعة صنعاء أو يقومون بزيارات لليمن، فكان مجلسه الأدبي ملتقى ثقافيا، واليوم أدين بالفضل للسنوات الأربع التي أمضيتها في اليمن، فخلالها نضجت تجربتي، كما يؤكد النقاد والدارسون الذين اقتربوا منها.

يتسم ابداعك بسمة يمكن للقارئ بين السطور أن يكتشفها وهي الغربة والفقد مهما لونت ومهما فاض ابداعك فإن العراق يعيش في داخلك فكيف استطعت أن تشبك العراق في جميع ما خطته يداك دون أن يكون ذلك مباشرا؟

يظل العراق جرحا نازفا، كلما حاولنا أن نطويه ينزّ ألما، ودما، لذا من الطبيعي أن تجده حاضرا في نصوصي، خصوصا أن نزفه لم يتوقف منذ فجر التاريخ!، هذا النزف خلّف أوجاعا، وندوبا في الروح، لن تبرأ بسهولة.

بعد مشوار أدبي طويل هل يمكننا القول أن الربيعي وجد ذاته واستطاع أن يؤطر نفسه ابداعيا؟

في كلّ ما دوّنت، وسطّرت، حاولت أن أعبّر عن آلامي بشكل أفضل، عاكسا وجهة نظري بالوجود، والأشياء، هل وفّقت في سعيي هذا؟ الإجابة متروكة للنقّاد، والدارسين، وهنا أستحضر قول الشاعر عبد الوهاب البياتي في (صورة للسهروردي في شبابه):

” لو كان البحر مدادًا للكلمات لصاح الشاعرُ:

يا ربي، نفدَ البحرُ وما زلت على شاطئه أحبو”

من خلال سيرتك الحياتية التقيت بالكثير من الشخصيات الأدبية فأرجو ان تذكر لي أية حادثة أو أثر تركته عندك هذه الشخصيات عبد العزيز المقالح الراحل سليمان العيسى حاتم الصكر عبد الملك مرتاض ابراهيم الجرادي ولو غيرنا الوجهة واتجهنا نحو سلطنة عمان أخبرني عن علاقتك بها؟

من حسن حظّي أنني أتيحت لي فرصة مزاملة، ومرافقة العديد من الشخصيات المؤثرة في المشهد الثقافي العراقي، والعربي، والاقتراب من عوالمهم الشعرية، بحكم تنقلاتي، وعملي في الصحافة الثقافية كعبد الوهاب البياتي، وسليمان العيسى، وعبد العزيز المقالح، وعبد الرزاق عبد الواحد، ود. حاتم الصكر، ود. علي جعفر العلاق، ود.عبد الرضا علي وعدنان الصائغ، وعدد كبير من الأسماء، وفي عمان عقدت صداقات عميقة مع الكثير من رموزها الثقافية كسيف الرحبي، وسعيد الصقلاوي، ود. سعيدة بنت خاطر، وحسن المطروشي، وقافلة الصداقات والشعر مستمرة.

العمل الاعلامي في السلطنة والنقدي  وسيرة ذاتية طويلة أخبرنا بعضا من حياتك في السلطنة وكيف تقضيها بحضرة الشعر؟

منذ أن وطأت أقدامي تراب السلطنة قبل عشرين سنة، شممت في هذا التراب عبق التاريخ، الذي يفتح نوافذ الرئة على هواء الحاضر المنعش، لذا تفاعلت مع الوسط الثقافي، وحاولت أن أساهم في الحراك، من خلال الكتابة الشعرية، والمسرحية، والعمل الصحفي، والانخراط في الأنشطة الثقافية، والفنية، فوجدت قبولا واسعا حفّزني لبذل المزيد من الجهد.

حولت كتابك “قليلا من كثير عزّة” من كتاب موت لكتاب حياة أتمنى أن توصف لي وللقارئ الحالة في هذا التحويل حتى استطعت أن تصل إلى قلب القارئ؟

ألفنا في نصوص الرثاء طغيان نبرة الحزن، وذكر مناقب الراحل، وهذا أمر لا مفرّ منه، عندما نقف في حضرة أمر جلل كالموت، لذا حاولت في “قليلا من كثير عزّة” الخروج من هذه الدائرة، ولو قليلا.. والاكتفاء بالحزن كإطار أسود، يلوّن الواجهة بلون الحداد، أما الذي داخل الإطار تبقى الضحكة مرسومة على وجه الراحل التي التقطها وهو بكامل بهائه، لذا جعلت “قلايا من كثير عزة”  كتاب حب، استدعيت من خلاله، الأيّام الجميلة التي عشتها مع زوجتي التي توفّاها الله بعد صراع مع المرض، وأظنّ أنني استطعت أن أحافظ على موازنة طرفي معادلة الحب-الموت.

بين الشعر والنقد والمسرح أين يحط الربيعي رحاله أكثر؟

في كلّ ماكتبت، من نصوص مسرحيّة، وسردية، للصغار والكبار، واوبريتات، ومقالات، وسيناريوهات لأفلام قصيرة، يظلّ الشعر هو المجرّة التي تدور حولها كواكب الكتابة في كافّة مجالاتها، والبؤرة التي تمركزت حولها اشتغالاتي، ومن يخلص للشعر يخلص له، ولأنني لم اخذله، لم يخذلني.

وصف بعض النقاد بأنك تكتب في مضمار الموت كثيرا فهل هذا الجو الذي تخلقه لابداع نابع من مآسي العراق؟

لم أنفصل في كلّ ما كتبت عن الوقائع التي عشتها، لأنّ الكتابة بالنسبة لي هي  انعكاس طبيعيّ، لتفاعل منتج النص مع المحيط، وشاءت الأقدار أن يكون المحيط الذي فتحت عليه عينيّ مضمّخا بالدم، والقذائف، والرصاص، والصواريخ، والحرائق، والدخان، وصرخات المعذّبين، فكيف لا يحوم طائر الموت  في سماء قصيدتي؟

لذا ظلّ الموت عنوانا كبيرا غلّف كلماتي بسواد جناحيه منذ اصداري الشعري الأول “إلحاقا بالموت السابق” الصادر عام 1987 م والثاني “حدادا على ما تبقى” 1992 و”جنائز معلقّة” 2000، والدواوين اللاحقة، ظلّت ثيمة الموت تطاردني،ليس فقط في العناوين بل في المتون، وأنا من جيل الثمانينيات الشعري في العراق،  هي ابنة سنوات الحروب، والحصار، والقمع، والألم، والشتات، وعندما أقمت سنوات طويلة في مسقط ،بدأت أفتح عينيّ على واقع جديد، وآمن، ضاج بالحياة،  جاء موت الزوجة، ليعيدني إلى مربع الحزن الأوّل!

بعد هذه الغربة الطويلة عن العراق متى يعود الربيعي إليه دائما وليس زيارات؟

للإجابة على هذا السؤال أحيلك إلى نصي” بماذا يعود الغريب؟”

بماذا يعود الغريب إذا عاد من ليله السرمدي ِ ؟

بمقبرة في الضمير ؟

بتذكرة للعبور

الى الآخرة ؟

بأفق صغير يعلقه

قرب دمعة جدته

في جدار الخرافات؟

بماذا يعود؟

” بشيء من الخوف والجوع ونقص من الثمرات “؟

بحلم كثير القروح؟

بجرح فسيح ؟

بقبض غبار

وريح ؟

بماذا يعود الغريب لأوروك ؟

بكسرة موت؟

وقد ضاع ما ضاع في الدرب

 من زهرة للمكوث

بماذا يعود؟

بمكر التراب ؟

بسر؟

ببيت من الشعر

بحزن الوجود ؟

بدرع من الضوء

عند ضجيج مرايا السراب ؟

بطيف عتيق

يبل الفؤاد؟

بنهر دموع يضاف لما  في البلاد؟

بماذا يعود الغريب ؟

بحشرجة ونحيب؟

بليلكة لاتنام

إذا نام في الطرقات الصهيل؟

بليل شديد السواد طويل ؟

بماذا ؟

بجثته بعد حين؟

بماذا يعود؟

بجرح حسين جديد؟

لن نتحدث عما جرى معك مؤخرا في المربد ولكن ماالأثر الذي تركه فيك هذا الموقف ؟

ما جرى لي من إدارة مهرجان “المربد” لم يكن خطأ إداريّا، كما ذهب البعض من حسن النوايا، بل هو استخفاف، واستهانة، كان من شأنها أن تعمّق لفجوة بيني، وبين “العراق” المدوّن اسمه في جواز سفري العماني، ومن الطبيعي أن يترك شعورا بالمرارة، ومثلما قلت، لأحد الأصدقاء الإعلاميين أحسست أنني مثل عاشق اكتشف بعد سنوات طويلة، من الوجد، والعلاقة الحميمة، أنّه يحبّ من طرف واحد!!، ولكنّني أظلّ أردد قول الشاعر:

بلادي وإن جارت عليّ عزيزة

وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام

بالوقت نفسه سعدت كثيرا، بمشاعر الأحبّة الذين وقفوا إلى جانبي.

ماذا يحضر الربيعي من جديد؟

بعد مجموعتي “ليل الأرمل” الصادرة ضمن كتاب مجلة نزوى العام الماضي، أجمّع شتات نفسي لمجموعة شعرية جديدة، لم أستقر بعد على عنوان لها.

وبماذا تحب أن تنهي هذا الحوار؟

أحبّ أن أنهيه بنص كتبته بعد أن سألتني صغيرتي  “دجلة ” “بابا هل أنت عراقي؟ أم عماني؟”، وجوابي هو:

 وسائلة عراقي أم عماني؟

أضعتَ علي بوصلة المكانِ

فقلت لها :سلي  روحي ونبضي

يجبك القلب في أحلى بيانِ

على كتف الفرات رسمت حرفا

من الفجر المرصّع بالجُمانِ

وعند تساقط الأجبال بيتي

بمسقط تحت ظلّ السيسبانِ

تحطّ حمائم الصبح المندّى

على كفّي وتشربُ من دنان

فبحر (عمان) ريح شراع قلبي

ووجدي، وانتشائي، وافتتاني

كتاب صار اسمي فيه حرفا

وغصنا في بساتين المعاني

أتيته حينما عصفت خطوبٌ

ببيتي واستكان لها زماني

فآواني غداة جميع أهلي

” أضاعوني ” فضاع جليل شاني

 فمدّ يديه نحوي واحتضنّي

 ومن أندى مباهجه  سقاني

تهجّى في عيوني سِفر نهر

تجلّى بالقصائد والاغاني

ملاعب طيبة أصبحتُ  فيها

أليف “الوجه واليد واللسان “

عناق حضارتين، أنا دهور

وتاريخ تجسّد في  كياني

خلاصة ما أقول هناك بعضي

وكلّي ذاب في هذا المكانِ

ويبقى في الرصافة ذوبُ روحي

و(دجلة) جنتي في عنفواني

فإن تبغين من وجدي جوابا:

 كلا البلدين قد سكنا جناني

شاهد أيضاً

نجيب محفوظ شخصية معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومصر ضيف الشرف

  تحت رعاية رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يُنظم مركز أبوظبي للغة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *