الجمعة, 19 أبريل, 2024
الرئيسية / قسم الاخبار / الاخبار الرئيسية / فراس القطان: الشاعر يجب أن يكون قريباً من هموم الناس ويعالج مواجعهم كالطبيب

فراس القطان: الشاعر يجب أن يكون قريباً من هموم الناس ويعالج مواجعهم كالطبيب

شاعر يتقن فن الممكن واللاممكن، ويبدع في نسج القصيدة، ويخط كلماته بمهارة فنان، تأخذ السياسة حيزاً من بوحه ولكنه شاعر قبل أن يبحر في عالم السياسية، و هو يعتبرهما متكاملين، والشعر بالنسبة له استقراء للمستقبل ويعتبر أن الشاعر قارئ للمستقبل أكثر من غيره، وينعبر أن كل نتاجات الحياة تحتاج إلى اصطفاء والشعر منها…. هو الشاعر الدكتور فراس القطان من سورية الذي كان لنا معه هذا الحوار

هناك تكامل بين السياسة والشعر

القصيدة الشعبية الراقية هي التي أثبتت خلودها عبر الزمن

في البداية متى كانت بداياتك مع الكتابة والشعر؟

لا أذكر تماماً القصيدة الأولى التي كتبتها، ولكن منذ أول قصيدة حفظتها في السنة السادسة من عمري شعرت بأني بدأت أكتب. وبالفعل كانت لي محاولات بدائية أخذت طريقها في النضوج يوماً بعد يوم حتى خرجت بأول قصيدة متكاملة في معناها ومبناها الشعري في الخامسة عشرة من عمري.

لمن يقرأ فراس القطان؟

 في كل مرحلة تعلقتُ بمدرسة شعرية معينة، واستغرقت في حبها وتمعَّنت في تفاصيلها، وما إن أشعر بـ “الإشباع” منها سرعان ما أنتقل لأبحث عن عالم آخر ومدرسة أخرى أستمتع فيها وأستفيد منها. بالتالي ما يحكم تعلُّقي وشغفي بنمط شعري معين هي المرحلة التي أبحرت فيها بهذا النمط أو ذاك، والآن يمكن القول إني منذ فترة طويلة حتى اللحظة مولع بمدرسة الشاعر الكبير محمود درويش.

يعتبر بعض المتابعين للمشهد الشعري أن هناك فجوة تكبر أو تصغر بين الشاعر والمتلقي فكيف يبني الشاعر علاقته مع المتلقي؟     

 في الحقيقة للناس اهتمامات مختلفة، فمنهم من يُعنى بالشعر أو الأدب بشكل عام، ومنهم من هو بعيد عن هذا الشأن تماماً، حتى بالنسبة للمهتمين بالشعر تجدهم يتفاوتون في اهتماماتهم أو ذائقتهم الشعرية، وهذه الظاهرة ليست بالجديدة بل هي موجودة عبر العصور ولدى كل الشعوب والحضارات. وهذا ما ينسحب على كل جوانب الحياة واختصاصاتها.

ولكن ميزة الشاعر تكمن في أنه أكثر استشرافاً من غيره للمستقبل، وأنه سابق لعصره في طريقة رؤيته للحياة وصورها مع تجددها وتطورها، ولا أدلَّ على ذلك مما كان يُقال لأبي تمام منذ مئات السنين لماذا تكتب ما لا يُفهم؟ فكان يجيب لماذا لا تفهمون ما أكتب؟ إلى أن تم تذوق أسلوبه ومعرفة أبعاد صوره وجمالياتها بعد حين.

ولكن الآن كُسرت هذه القاعدة نسبياً، فهناك مثالان أو مدرستان معاصرتان – يُعتدّ بهما – وقد قلّصتا الفجوة كثيراً بين الشاعر والمتلقي، فالمدرسة الأولى هي مدرسة الشاعر نزار قباني الذي ذهب إلى مستوى المتلقي بصورة غاية في الإبداع والسلاسة، واستطاع الدخول إلى كل بيت وإلى نفس كل شخص بشاعرية منقطعة النظير حاكت العمق الإنساني لدى كل الناس من أبسطهم إلى أعقدهم بأسلوب السهل الممتنع. أما المدرسة الثانية فهي مدرسة الشاعر محمود درويش الذي لم يذهب لمستوى المتلقي بل استطاع أن يأخذ المتلقي إليه، بالتالي فإن كليهما بطريقته المختلفة قلص الفجوة بين الشاعر والمتلقي لدرجة تحقق معها التماهي بينهما، وهكذا فأنا شخصياً لا أرى وجود تلك الفجوة بين الشاعر والمتلقي إن أحسن الشاعر التعامل مع قصيدته.

وهل ترى أن الفجوة بين الشاعر الشعبي والمتلقي أقل مسافة من بين شاعر الفصيح والمتلقي؟

ما ينطبق على الشعر الفصيح ينطبق أيضاً على الشعر الشعبي، وإن اختلفت بعض الأدوات، وبالتالي لا يمكن اعتبار القصيدة الشعبية السطحية كسراً للفجوة بين الشاعر والمتلقي، حتى ولو تلقَّفها البعض بسرعة إلا أنها سرعان ما تخبو وتزول من الذاكرة والذائقة، فالقصيدة الشعبية الراقية هي التي أثبتت خلودها عبر الزمن، وأعود لأذكِّر ما قلته عن نزار ودرويش، وعن شعرهما وخاصة المُغنّى.

بعد فوزك بجائزة الطيب صالح عند أية مسؤولية وضعتك هذه الجائزة؟

بالنسبة لجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع التي حصلت عليها عام 2014 وبسبب أهميتها على المستويين العربي والعالمي فإنها حمَّلتني مسؤولية كبيرة جداً كي أعمل على موهبتي أكثر فأكثر وأقدم المزيد والأفضل. كما إني أعتبرها بمنزلة تأشيرة عبور للاعتراف بي شاعراً، يمكن أن يُقرأ له بعض مما أتمنى إيصاله، والحمد لله لقد حفّزتني جائزة الطيب صالح للفوز بجوائز أخرى، وللمشاركة في ملتقيات شعرية كبيرة خارج القطر كما حدث في العراق عام 2016.

برأيك متى يكتب الشاعر لإرضاء جمهوره وهل يستطيع ذلك بعيدا عن إرضاء ذاتك؟

هذه معادلة مستحيلة الحل أو التحقق بشكل مطلق.

ففي البداية علينا تحديد من هو الجمهور المقصود، في ظل اختلاف الاهتمامات من شخص لآخر، كما أن الذائقة الشعرية تتفاوت بشكل كبير للغاية بين متلقٍّ وآخر، كما هي الذائقة بالنسبة للموسيقى، ولكن في كل الأحوال على الشاعر من وجهة نظري أن يأخذ موقع المنتصف، فلا يبالغ في إرضاء نفسه مبتعداً عن الجمهور وكذلك لا يبالغ في إرضاء الجمهور على حساب نتاجه، عليه بالتالي أن يكون قريباً من هموم الناس ويعالج مواجعهم كالطبيب، خاصة أنه صاحب رسالة قيمية وأدبية وفنية واجتماعية وإنسانية سامية عليه تأديتها وإيصالها لكل الناس ما استطاع.

لأي حد تؤثر مهنتك كدكتور في العلوم السياسية في تجربتك الشعرية؟

 سؤال جميل جداً وأرى نفسي به، وكثيراً ما أُسأل هذا السؤال من قبل من يعرفني أو في اللقاءات التلفزيونية والصحفية التي أجريت معي، ودائماً يكون جوابي هو ذاته دون زيادة أو نقصان؛ في الحقيقة أنا شاعر قبل أن أكون دكتوراً أو حتى قبل دخولي الجامعة بسنين، بل يمكنني الاعتداد بنفسي بأني وُلدت شاعراً.

ولكني في الوقت ذاته لا أرى تعارضاً بين الموهبة والإبداع الأدبي من جهة وبين الصفة الأكاديمية من جهة أخرى، وخاصة بين السياسة والشعر، فبين فنِّ الممكن كأحد تعاريف السياسة من جهة، وفن اللاممكن كما أرى الشعر من جهة أخرى، يمكنني القول إن هناك تكاملاً بينهما، كما أنه بين السياسة التي عُرِّفت بأنها سقف المعبد العلمي، وكذلك الشعر الذي أصفه بأنه سقف المعبد الأدبي والفني أرى أن الشعر من السياسة هو بمنزلة الروح من الجسد، أو بمنزلة القلب من العقل.

وهل انت مقل في نتاجك الشعري؟

علاقتي مع الشعر كعلاقتي مع الماء، وفي اليوم الذي لا أكتب فيه أكتفي بالقراءة، وهذا بحد ذاته نتاج حقيقي لأنه يطور ذائقتي ويوسع من قدراتي، وبالتالي فإن مفهوم مكثر أو مقل في النتاج الشعري ليس رهين ما تدونه، خاصة أن الغاية الأساسية هي الخروج بنتاج نوعي على حساب النتاج الكمي.

وسط هذا الحضور الشعري في مواقع التواصل الاجتماعي  كي يقيّم الدكتور فراس هذا الوضع وهل هو إيجابي للشعر؟

 بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي فيما يخص الشعر فإنها سلاح ذو حدين، يمكن من خلالها الاطلاع والاستفادة من النتاجات المميزة، وكذلك طرح ما هو مفيد وجديد، وبالمقابل “للأسف” اختلط الحابل بالنابل، فقد أفسحت هذه المنصة لكل غادٍ وصادٍ تقديم نفسه على أنه شاعر أو شاعرة دون رقابة أو مسؤولية، حتى إنك لترى الحجم الكبير من الإعجابات (اللايكات) والإطراءات من قبل أناس لا يعرفون إن كان هذا شعراً أو شيئاً آخر لا أستطيع وصفه.

في المحصلة إن كل نتاجات الحياة، تخضع لعملية اصطفاء عبر الزمن، فمنها ما يموت حتى قبل أن يولد، ومنها مالا يستمر طويلاً، وما كان رخيصاً سرعان ما يتلاشى، أما النتاج الراقي فهو ما يُخلَّد مدى الحياة ويبقى في ذاكرة الشعوب ويساهم في رقيها ونهضتها الفكرية والروحية والفنية والقيمية ويرتفع بذائقتها وشعورها.

لو وضعنا خارطة شعرية أين يجد فراس القطان نفسه؟

لا أرى نفسي إلا تلميذاً صغيراً يحاول تعلم السباحة في هذا البحر الواسع العميق المكتنز بالأسرار والجواهر، ولي شرف المحاولة هذه.

 ماهو دور النقد في تجربتك؟

للنقد دور كبير في تطوير أي تجربة شعرية، لما له من أهمية بالغة في تبيان محاسن القصيدة من أجل تعزيزها، وكذلك إيضاح مواطن الضعف والخلل كي يتم تلافيها، وبالطبع كل شاعر هو ناقد أول لقصيدته، وعليه تحمُّل هذه المسؤولية، كما أنني أستفيد كثيراً من النقد الموجه لي من أي متلقي متذوق، إضافة لنقد شعري من أصدقائي الشعراء داخل سورية وخارجها، ناهيك عن نقّاد الشعر المختصين الذين ألتقيهم أو أتواصل معهم بشكل مستمر.

 وماهو جديدك حاليا؟

حالياً أتممت مخطوطاً شعرياً، يتناول موضوع الحرب في سورية ومعاناتنا جميعاً كسوريين جراء هذه الكارثة، وصبرنا وأملنا الكبير، وكذلك أنهيت مخطوطاً روائياً كتجربة جديدة لي على هذا الصعيد.

وبماذا تحب أن تنهي هذا الحوار؟

  أخيراً كل الشكر لك أستاذ زياد ولوكالة أنباء الشعر على هذا الاهتمام وهذا اللقاء الممتع، وأتمنى أن أقدم الأفضل دائماً، وأن أمثل سورية مرة جديدة في محافل الشعر والأدب.

شاهد أيضاً

الإمارات : إنطلاق مؤتمر الترجمة الدولي الرابع بمشاركة أكثر من 25 دولة

  بمشاركة باحثون وخبراء من أكثر من 25 دولة انطلقت، اليوم، فعاليات مؤتمر الترجمة الدولي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *