الخميس, 18 أبريل, 2024
الرئيسية / قسم الاخبار / الاخبار الرئيسية / “الشيخ زايد”.. حكيم الأمة الذي بكته عيون الملايين

“الشيخ زايد”.. حكيم الأمة الذي بكته عيون الملايين

التاسع عشر من رمضان 1425ه، يوم رحيل فارس العرب وحكيم الأمة، يوم لن ينساه الإماراتيون والعرب، يوم بكته عيون الملايين، انه المغفور له باذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
اليوم تحل الذكرى الـ14، لرحيل القائد المؤسس، رفيق السيف وصديق البحر والصحراء، وفارس القصيدة. فارس جعل من أعماله بيَارق عزٍ ورايات مجد.

تعلم من بحور الشعر وقوافيه، كيف يحول صمت الصحاري وسكون الرمال إلى صخب الإنجاز وزخم الإنطلاق. فأجاد فن تحويل حبات الرمال إلى خضرة وحياة وأمل وغدٍ مشرق باسم.
في مثل هذا اليوم، غابت شمس عربية مستنيرة، أضاءت أفقنا وحياتنا العربية، حكمة وشجاعة وروحاً وثَابة ونفساً خلاقة وفكراً واعياً.

فعلى مدى عقود مضت، وجد العرب في الشيخ زايد- طيب الله ثراه- نعم السند والمعين في المحن والملمات.حمل هموم العرب والمسلمين على عاتقه، وقارب المتخاصمين، ووفّق بين الفرقاء بحكمته النادرة ورؤيته الشاملة وبصيرته الثاقبة التي ألّف بها قلوب الأشقاء.

الوكالة، تستعرض في هذا التقرير نقطة من بحر فقيد الأمة الشيخ زايد.

طفولة تحت ظلال القرآن

عاش زايد طفولته في قصر الحصن، وفي زمن شهد ندرة المدارس إلا من بضعة كتاتيب، دفع به والده إلى معلم ليعلمه أصول الدين، وحفظ القرآن الكريم ، ونسج من معانيه نمط حياته، وبدأ يعي أن كتاب الله جل جلاله ليس فقط كتاب دين ،وإنما هو الدستور المنظم الشامل لجميع جوانب الحياة ، وفي السنة السابعة من عمره كان يجلس في مجلس والده الشيخ / سلطان ، وكان الطفل زايد يلتقط ويتعلم العلم من مجلس أبيه ، فتعلم أصول العادات العربية ، والتقاليد الأصيلة ، والشهامة ، والمروة ، والشرف ، وتعلم الأمور السياسية والحوار السياسي ، ورغم تفوقه إلا أنه يعترف هو نفسه بأنه كان أحياناً يرفض التعليم ، وأحياناً كان متمرداً على معلمه ،وفي مرحلة يفاعته بدأت ثقافته تكتسب بعداً جديداً ، فولع بالأدب ، واظهر الاهتمام بمعرفة وقائع العرب وأيامهم ، وكان من أمتع أوقاته الجلوس إلى كبار السن ليحدثوه عما يعرفوه من سير الأجداد وبطولاتهم ، هذا إلى جوار ما تعلمه من الخصال الطيبة من والدته الشيخة / سلامه .وتدل شواهد صباه انه كان قناصاً ماهراً ، شجاعاً لا يعرف التردد أو الجبن ، وفارساً من فوارس الصحراء ، يجيد ركوب الخيل ، ويعرف أصولها .غير إن القدر كان له بالمرصاد ، فلم يستمتع الصبي زايد طويلاً بدفء جناحي أبيه الذي اغتيل عام 1927 ، فانضوي لشهور قليلة عن الناس ، وعن مرحه الطفولي الذي اشتهر به ، ولهوه مع أقرانه ورفاق طفولته . انتقل الشيخ زايد من قلعة الحصن إلى قلعة المويجعي عام 1946 بمدينة العين التي تتركز أهميتها في كبر مساحتها وكونها مركزا لتجمعات البدو أمضى زايد في مدينة العين السنوات الأولى من شبابه. وقد تعلم مبادئ الحرب والقتال بين البدو. اتصف بالشجاعة وكان يقاتل للشرف لا للمغنم ويبذل دمه رخيصا دفاعا عن أرضه ضد أي اعتداء وهو على استعداد للتضحية بحياته لحماية من يلجأ إليه وشغف زايد بمعرفة وقائع وتاريخ المنطقة في شبه الجزيرة العربية ويحب الشعر فقد كان الشعر العربي أقرب في حكمته ومغزاه إلى ذاته بالإضافة إلى شعر الطرد. وبدأ في سنواته الأولى قراءة القرآن الكريم وحفظ بعضه. في المرحلة الثانية انتقل زايد من ابوظبي إلى العين حيث ترعرع فيها وقضى شبابه الأول فيها، وسلك جبالها ودروبها ، لتنعكس حياة الصحراء عليه لتشكل منه شخصية مرموقة تتسم بانشراح وسعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال ، وتطغى عليه الحكمة .. ليصبح حكيم العرب بعد ذلك .

الفارس القنَاص

كبر الشيخ / زايد ، وترعرع ، وتعلم الفروسية، والقنص، وكان يفضل المرح والقنص في الصحراء أو الجبال القريبة أو المنافسة مع أصدقائه وأقرانه ، كما تولع منذ طفولته بحب الخيل ، حيث كان يتردد إلى إسطبل العائلة للخيول العربية الأصيلة. وعندما أصبح الشيخ / زايد فتى يافعاً كان قد أتقن فنون القتال، وبرز ميله إلى المغامرة ، وتحدي الصحراء المترامية الأطراف لكشف المجهول ، وقد تعلم ممارسة هوايات عديدة منها :

القائد المؤسس

في الثاني من ديسمبر سنة 1971م كان التحول المصيري في تاريخ منطقة الخليج العربي بشكل خاص والمنطقة العربية بوجه عام ، ففي هذه السنة توجت فيها الجهود القيمة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه حكام الإمارات بالإعلان عن ميلاد كيان وحدوي تحول في سنوات قليلة إلى دولة اتحادية قوية ومؤثرة على الساحة الإقليمية والدولية .

فعلى الرغم من الصعوبة التي رافقت تلك المرحلة، نجح الشيخ زايد بحنكته وحكمته السياسية في بناء توافق الآراء ومن خلال التشاور، من إقناع جيرانه بأن قوتهم المستقبلية إنما تكمن في وحدتهم. وفي 2 ديسمبر 1971، تم رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة الحديثة العهد، وانتخاب الشيخ زايد، رحمه الله، من قبل حكام الإمارات الأخرى كأول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو المنصب الذي كان أعيد انتخابه لشغله تباعاً.

الشعر عند زايد..دنيا جديدة من الأمجاد والبطولات

يُجمع الباحثون والكتاب على أن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ، يعد شاعر فذ رسم بشعره صورة جلية لوجدانه، يعكس ما يعتمل في نفسه من آفاق إنسانية وجدائل حب صادقة تعبر عن الأصالة وعن نبض المعاني السامية من خلال ملكة شعرية دافقة تُنبي عن مكانه تضاهي شعراء عصره. حيث يتطلع سموه في شعره إلى العالم بعين الوعي، وإلى الإنسان بعين الحب وإلى الحياة بعين التفاؤل، وإلى المصاعب بعين الإرادة، فخيوط الفجر تزرقه بروح الانطلاق نحو فضاءات رحيبة صادقة .
ويؤكدون بأن القليل من الحكام والملوك والشعراء الذي يجمعون بين المقدرة على تصريف أمور الحكم والدولة وبين الإبحار في عوالم الشعر والأدب ، وزايد من أولئك القليلين الذين دان لهم الشعر كما دانت السياسة ، إنه بعيداً عن دنيا السياسة وهموم الحكم ومتاعبه شاعر له مكانته المرموقة في عالم الشعر .

شاعر يتذوق الشعر وينظمه وخاصة الشعر النبطي الذي يمثل وجدان الشعب ويعبر عنه، والشعر له في نفس زايد منزلة خاصة ومقام رفيع وليس أدل على منزلة الشعر والشعراء عند زايد من أن الشاعر العربي ” المتنبي ” واحد من ثلاث شخصيات لعبت دوراً بارزاً في حياته وشكلت شخصيته وتركب بصماتها العميقة عليه.

إن قصة زايد مع الشعر طويلة تعود إلى أيام صباه ، فقد طحنته الأيام بقسوتها وفتش عن ذاته في مجتمع الصحراء المحدود، فوجد طموحاته أكبر من رقعتها ، وتعب في البحث عن الذات ولكنه اكتشف أن الشعر وخاصة الشعر العربي اقرب في حكمته ومغزاه إلى ذاته .

ويقول عوض العرشاني في كتابه ” حياة زايد ” أن الشعر عند زايد دنيا جديدة من الأمجاد والبطولة والطموح والتطلع إلى المثل والقيم الرفيعة. كما كان زايد يجد في الشعر متنفسه وملجأه عندما تعتريه الأحزان ، أو يسيطر عليه الضيق والمعاناة في هذه السن المبكرة من حياته ، ففي الشعر تسام وعلو بالنفس .

قرأ زايد المعلقات السبع، ومن المعلقات القريبة إلى نفسه والتي تأثر بها في صباه معلقة زهير بن أبي سلمى التي يعبر فيها الشاعر عن معان رفيعة ، وهي تعبير عن الذات حين تسمو وتتطلع إلى الرفعة والكمال والاستقامة والترفع عن النقائض ، ولطالما ردد زايد مع الشاعر قوله :

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء سلم

ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه ويذم

وقد عمل زايد بهذه الأبيات طوال مسيرته فهو المقدام السباق إلى الخير دائماً لم يبخل على بلده وأمته بشيء حتى أصبح ذا فضل على الجميع. وهو ابن البادية ، تحت شمسها نما وترعرع وفوق أرضها سارت خطواته .

وكعربي من عرب الصحراء يعشق زايد شعر البادية المسمى بشعر ” الطرد ” وهو شعر يقال ويسمع أكثر مما يقرأ ويعشقه عرب الصحراء ويفخرون به ، وزايد من ناظمي هذا الشعر وقائليه ، وله العديد من القصائد المشهورة التي يرددها عرب البادية كثيراً ، ومن قصائده المغناة قصيدة يقول فيها :

ويه باســـــــم بسميه واتحف بـــــــــه لفراح

وعين حـــورا عديمه فيها الدعايا اصحــــاح

وصــدر وزن تقسيمه ونهود كالتفـــــــــــــاح

لو مر بأرض أمحيله سدى عشبها أوســــاح

ينعش نفس سجيمــة ويشفي من لا نضراح

وهذا النمط من الشعر يعبر عن بساطة زايد وطبيعته البدوية وسجاياه النقية ، وحبه لعرب الصحراء وحبهم له ، كما يردد الناس له أشعاره النبطية ويولع هو أيضاً ولعاً شديداً بأشعارهم ، ومن أحب الشعراء إليه شاعر الإمارات الكبير الماجدي بن ظاهر .

عاشق البيئة

لقد أهتم الشيخ زايد بالبيئة الإماراتية وأولاها عناية كبيرة، فدعا زايد إلى المحافظة عليها وحمايتها فتم إنشاء المحميات الطبيعية المزروعة بالأشجار الصحراوية والتي تمثل بيئة صالحة للحيوانات البرية للحياة فيها مثل الغزلان والأرانب البرية ومختلف أنواع الطيور ..وتمثل جزيرة صير بني ياس أحد أهم المحميات الطبيعية في منطقة الخليج والتي أنشئت برعاية ومتابعة كريمة من صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والتي تمثل نموذجاً للحفاظ على البيئة وحماية الحيوانات النادرة فيها من خطر الانقراض . كما ترى في السيوح المحيطة بمدينة العين وسويحان والمنطقة الغربية العديد من المحميات الطبيعية التي تمتد لعشرات الكيلومترات والتي تمثل بيئة طبيعية للآلاف من الحيوانات البرية التي وجدت الوطن الجديد بعد اتساع العمران في الدولة والذي أدى إلى تأثر هذه الحيوانات وتقليل عددها ..

كما أن القوانين التي تم سنها في دولة الإمارات والتي تحضر صيد أنواع معينة من الحيوانات والطيور وكذلك تحديد مصائد الأسماك ساهمت بشكل كبير في المحافظة على هذه الحيوانات وحمايتها لدرجة أن العقوبات للمخالفين قد تصل إلى الغرامة والسجن في بعض الأحيان .

وتمتاز دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها تطل على الخليج العربي وخليج عمان ولذلك فإن المياه الإقليمية للإمارات تضم أكثر من 200 جزيرة وقد تم استغلال بعضها في تحويله إلى محميات طبيعية كما تم استغلال بعضها في تربية الحيوانات..المها العربي .. النمر العربي .. الحبارى .. وغيرها الكثير من الحيوانات التي كانت مهددة بالانقراض تم إكثارها وفتح أبواب الحياة أمامها في بيئتها الأصلية أو في المحميات الطبيعية أو في حدائق الحيوان إضافة إلى هذا تم استجلاب الكثير من الحيوانات من الخارج وإكثارها في الدولة للمحافظة عليها من خطر الانقراض . كما أن منطقة جبل حفيت في العين .. محاضر ليوا .. جزيرة صير بني ياس .. منطقة الدقداقة .. وغيرها الكثير شواهد على إعمار الأرض والمحافظة على البيئة وكلها تدل على أن الإمارات تخطو خطوات عظيمة في سبيل المحافظة على الأرض وحماية البيئة .

حكيم العرب وقضايا الأمة

طوال حياته كان حكيم الأمة الداعي نحو لم شمل الأمة العربية الممزقة والتي تتطاحنها الحروب وتتنازعها الأزمات والحوادث فلا تشتعل نيران فتنة جديدة حتى يخرج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان داعياً إلى إنهائها بالطرق السلمية بدلاً من اللجوء إلى لغة القوة والعنف والتي توسع الخلاف وتزيد من هوة الشقاق ولسموه المواقف المشهودة في دعم الوحدة العربية وذلك من خلال دعوته لاتحاد الإمارات السبع لتتشكل دولة جديدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة ومن ثم دعى سموه إلى تعاون خليجي يكون ثمرة لاتحاد جديد ليتشكل مجلس التعاون الخليجي وتستضيف أبوظبي القمة الأولى فيه ومن ثم كان للإمارات دور فاعل ونشط في جامعة الدول العربية وساهمت في إقامة العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية في الكثير من الدول العربية مثل ترعة الشيخ زايد في مصر وبناء سد مأرب في اليمن وبناء مدينة الشيخ زايد في غزة وغيرها كثير.

ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبته الإمارات لتعميق الروابط بين مختلف الدول العربية، حيث سارعت الإمارات أولاً إلى حل مشاكلها الحدودية مع باقي جيرانها وبالطرق السلمية ومن ثم أطلقت المبادرات نحو حل أمثال هذه النزاعات بين باقي الدول العربية مما كان له كبير الأثر في زرع الأمن والاستقرار في المنطقة العربية.

ويذكر التاريخ بالفخر والاعتزاز الموقف  الشجاع لصاحب السمو الشيخ زايد الذي أعلنه صريحا في حرب أكتوبر 1973 عندما خرج على العالم وقال بأن البترول العربي ليس بأغلى ولا أثمن من الدم العربي وسخر كل إمكانياته وثرواته تحت تصرف الجيوش العربية في تلك الحرب ليتحقق النصر ويفرح زايد بهذا النصر العظيم.

يوم بكته عيون الملايين

رحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الـ19 من رمضان 1425ه، عن عمر ناهز السادسة والثمانين، لتبقى انجازاته وذكراه الطيبة في قلوب الملايين، كقائد عربي سعى منذ تسلمه السلطة للم الشمل العربي وخصوصا في منطقة الخليج.

وقد استقبلت كافة الشعوب خبر وفاته ببالغ الأسى والحزن.

 

شاهد أيضاً

الإمارات : إنطلاق مؤتمر الترجمة الدولي الرابع بمشاركة أكثر من 25 دولة

  بمشاركة باحثون وخبراء من أكثر من 25 دولة انطلقت، اليوم، فعاليات مؤتمر الترجمة الدولي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *