الثلاثاء, 23 أبريل, 2024
الرئيسية / قسم الاخبار / الاخبار الرئيسية / طه حسين ..”19″ يوماً في رحلة إلى الأراضي المُقدسة

طه حسين ..”19″ يوماً في رحلة إلى الأراضي المُقدسة

تُعتبر رحلة عميد الأدب العربي طه حسين إلى الأراضي المُقدسة مع صديقه أمين الخولي لأداء فريضة الحج رحلته الأولى والأخيرة، وكانت الرحلة قد استغرقت تسعة عشر يومًا، وكان لزيارته صدى كبير في العالم العربي، بعدما اتهمه البعض بالإلحاد، وقد عُرف العميد بصبره وأفكاره وبدعوته إلى التجديد ومؤلفاته وجرأته.
وعندما دخل العميد إلى الأراضي المقدسة كان في السادسة والستين من العمر، وكان يعتبر في ذلك الوقت قد كبر ونضح أكثر وقد نال ما كان يحلم، ولكن لم يستطع بسبب سنه أن يسجل ذكريات تلك الرحلة وأحداثها في أي من مؤلفاته لذلك يستطيع الباحثون الحديث والتطرق إليها بصورة دائمة.
وكتب عن هذه الرحلة ما جاء على لسان العميد في تصريحات صحفية سواء أثناء الرحلة أو بعدها، ومنها أنه حين عبر عن مشاعره حين حل بهذه الأراضي قال: “أول ما شعرت به وما زلت أشعر به إلى الآن هو الذي يجده الغريب حين يؤوب بعد غيبة طويلة جدًا إلى موطن عقله وقلبه وروحه بمعنى عام”، وحين عاد إلى القاهرة قال: لقد سبق أن عشت بفكري وقلبي في هذه الأماكن المقدسة زهاء عشرين عامًا منذ بدأت أكتب “علي هامش السيرة” حتي الآن ولما زرت مكة والمدينة أحسست أني أعيش بفكري وقلبي وجسدي جميعًا، عشت بعقلي الباطن، وعقلي الواعي استعدت كل ذكرياتي القديمة، ومنها ما هو من صميم التاريخ، ومنها ما هو من صميم العقيدة.
وأضاف العميد: وكانت الذكريات تختلط بواقعي، فتبدو حقائق حينًا ورموزًا حينًا، وكان الشعور بها يغمرني ويملأ جوانب نفسي”، ولما سئل هل أخرجك هذا الشعور عن المألوف؟.. ابتسم في هدوء وأجاب: “علي أي حال لم أصل إلى درجة الانجذاب، كنت دائمًا في كامل وعيي، أخذتني الرهبة والخشية والخشوع كل مأخذ عندما كنت وحدي”، وحين سئل عن إحساسه عند قدومه الأراضي الطاهرة أجاب: “ما أكثر ما ألقي عليَّ هذا السؤال، وكان جوابي دائمًا واحدًا، وهو أن أول ما شعرتُ به، وما زلتُ أشعر به إلي الآن، “هو هذا الذي يجده الغريب حين يؤوب بعد غيبة طويلة جدًا إلي موطن عقله وقلبه وروحه بمعني عام”.
وكذلك فقد سئل عن شعوره نحو نزول الوحي؟.. فقال: “أمَّا رأيي فيها فهو رأي كل مسلم يقدِّر مهد الإسلام حق قدره، ويتمني أن تكون مشرق النور في مستقبل أيامها كما كانت مشرق النور حين اختصها الله بكرامته، فعندما بُعث فيها مُحمَّدًا عليه السلام شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلي الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وأنزل عليه القرآن هُدي للناس وبيّنات من الهدي والفرقان”.
وكان قد سئل ما الذي تنصحون به رجال الثقافة في البلاد العربية والإسلامية؟ فقال: “لا أنصح لهم، لأني أهون من ذلك، وإنما أتمني أن يرفعوا الثقافة والأدب والعلم والفن فوق منافع الحياة المادية وأغراضها، وأن يؤاثروها علي كل شيء، وأن يتخذوها غايات لا وسائل، وهم مطمئنون إلي أن الرجل المثقف أنفع لنفسه وللناس من الرجل الجاهل، وأن العقول التي يقومها العلم ويزكيها الفن هي وحدها التي تستطيع أن تنتج، وأن تملأ الدنيا خيرًا”.
وعندما سئل طه حسين عن إحساسه حين تجرد في ملابس الإحرام؟ وبماذا دعا الله في المسجد الحرام؟ أجاب: “أؤْثر أن يترك الجواب علي هذين السؤالين لِما بين الله وبيني من حساب، وإنه لعسير، أرجو أن يجعل الله من عسره يسرًا”.
وبحسب البوابة نيوزن فقد قام طه حسين بالتنبيه على مرافقه وهما يغادران مدينة جدة قاصدين البيت الحرام في مكة المكرمة أن يوقف الركب عن الحديبية، فلما توقفوا عندها ترجّل العميد وقبض من تراب الحديبية قبضة فشمّها ثم تمتم ودموعه تنساب علي التراب قائلًا: “والله إني لأشم رائحة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- في هذا التراب الطاهر”، وهدأ مرافقه من ورعه على مدى نصف الساعة من، ثم استمر الركب حتي دخل الحرم من باب السلام، والدكتور لا يكاد يخفي وجد إيمانه عن رفيقه، وتوجها إلي الكعبة فتسلم الحجر وقبّله باكيًا واستمر يطوف ويسعي في خشوع ضارع وبكاء خفي..
ويقول الخولي: “حين لمس طه حسين الحجر الأسود ظل يتنهّد ويبكي ويقبّل الحجر حتي وقفت مواكب الحجيج انتظارًا لأن يغادر هذا الأديب الكبير المكفوف مكانه، ولكنه أطال البكاء والتقبيل، ونسي نفسه فتركوه في مكانه وأجهشوا معه في البكاء”.
وكان طه حسين قد ذهب إلي الحجاز مرة واحدة في حياته حسبما أورد الأستاذ محمد سيد بركة في إحدى كتاباته وكما يقول كان في هذه المرة مع الناس ومع نفسه في وقت واحد، ويوضح ذلك بقوله علي لسان العميد: “لقد جرت العادة عندما يصل المرء إلي الكعبة أو المسجد الحرام أن يتسلمه طائفة من الناس يسمون بـ”المطوّفين” أي الذين يقومون بإجراءات الطواف بالكعبة ويسمون في المدينة بـ”المزورين” أي الذين يقومون بإجراءات الزيارة لقبر الرسول – صلي الله عليه وسلم -، وقد حاولت جهدي أن أتخلص من المطوفين والمزورين، ولكن محاولاتي ذهبت هباء، وجدتني بين أيديهم أردد بلا وعي ما يقولونه، ووجدتني في الوقت نفسه وحدي، وإن كنت في صحبتهم، كنت شخصين: شخصية واعية بلا كلام، وشخصية متكلمة بلا وعي، كانت الشخصية المتكلمة بلا وعي تردد كلام المطوفين والمزورين، وكانت الشخصية الواعية بلا كلام تناجي ربها في صدق وصمت وخشوع”.
وعند الطواف، كان العميد يناجي ربّه بقوله: “اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي، لا إله إلا أنت”.

شاهد أيضاً

فرنسا: فتح باب الترشح لجائزة الأدب العربي

  أعلنت مؤسسة /جان لوك لاغاردير/ الفرنسية، ومعهد العالم العربي بباريس، عن فتح باب الترشح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *