الثلاثاء, 16 أبريل, 2024
الرئيسية / قسم الاخبار / الاخبار الرئيسية / قصائد الشعراء تؤثث فضاء قصر الثقافة في شارقة الشعر

قصائد الشعراء تؤثث فضاء قصر الثقافة في شارقة الشعر

في ثالثة أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته السابعة عشرة، استطاعت الشارقة بأناقة رسام ماهر، أن تبدع لوحة من فسيفساء متناغمة في تجلياتها، ذات ملامح جمالية باهرة من مختلف جهات الوطن العربي، على ثراء ثقافاتها، وتنوع مشاربها، في أمسية المزاوجات الرحبة بين التفعيلة والعمود، والجمهور النوعي الحاشد، الذي أثث فضاء قصر الثقافة بشارقة الشعر، أم العروبة وحاضنة العربية.
وقدمت الأمسية سبعَ تجاربَ شعريةٍ متباينةِ الرؤى، وجامحة الأخيلة، من مختلف الأجيال الشاعرة.
وقد قدّم الأمسية الشاعر المغربي مخلص الصغير، مدير دار الشعر في تطوان/ المغرب، والذي افتتحها على لسان الشعر قائلاً:
قال لي الشعر إني تغربت في وطني فلجأت إلى القاسمي..
إن تكن منصفي حاكم الشعر، ما همني لو جميع الورى ظالمي!
ثم دعا الشاعرَ العمانيَّ حسن المطروشي إلى اعتلاء عرش الشعر، ملقباً إياه بالبحّار قائلاً: نبحر الآن في الأمسية الثالثة مع شاعر بحّار فلا تخافوا من الغرق، وافتتح المطروشي قراءاته بقصيدة ميمية صوفية، حلَّقت بنا في فضاء سامي المعاني مضمخ بالمحبة، حيث قال:
فَتاكِ، حبيبتي، الدرويشُ هذا
كَليمٌ لَمْ يُجِدْ بَعْدُ الكلاما
جرى مَطَرٌ على اسْمِكِ، كُنْتُ أجري
به، ومِظَلَّتي كانت غَماما
إلى اسْمِك تَنْتَهي لُغَتي، فكُوني
حبيباتي وأسلافي القُدامى
بغيرِكِ لا أكونُ شبيهَ ذاتي
ولَسْتُ سوايَ، لَسْتُ أنا تماما

ثم أجلسنا على “مائدة من فراغ”، فارغة إلا من خالص الشعر، قائلاً:
بِيَدَيْنِ فارغَتَيْنِ فَوْقَ كتابِهِ
يَرْنو الوحيدُ إلى سَكينةِ بابِهِ
رَجُلٌ يُحَدِّقُ في السرابِ، وراءهُ
سَفَرٌ طويلٌ مُنْذُ فَجْرِ غِيابِهِ
يَهْذي ويَبْتَكِرُ الحروبَ، يخوضُها
ويُحَدِّثُ امرأةً وراءَ سَرابِهِ

جاء بعده دور الشاعرة السعودية تهاني الصبيح، التي قدمها الشاعر مخلص الصغير، قائلاً: عادتنا أن نصفق للشعراء حين ينتهون من قصائدهم، ولكنني أطلب منكم اليوم أن تصفقوا وتبادروا بالتهاني، لأن شاعرتنا اسمها تهاني، الملقبة بخنساء المملكة العربية السعودية، والتي احتشدت قراءتها بالوله والعشق السامي، محلّقة في فضاءات النبوة، ومحررة روحها من سطوة الطين، باحثة في سدوم الغيب، مادحة للمصطفى عليه الصلاة والسلام في قصيدة تقول فيها:
جاوزتُ في حُبّكَ الأيَّامَ والزَّمنا
لمَّا انعقدتَ معي في عالمي سَكَنا
وعانَقَ الحرفُ والإشْراقُ يملؤهُ
روحَ القصيدةِ عُرْساً باسْمكَ اقترنا
هوَ انتمائي الَّذي في الأرضِ يزرعني
ورداً ويحصدُني عِطْراً وفيْضَ منى

ثم واصلت حاملة حروفها على “ريح يوسف” متوضئةً بالحب والجمال. بحرف يراهن على نداوته وبداوته في قصيدة “البدوي”، ثم اختتمت بحروف تسعى إلى أبواب الشارقة على راحلة الحب، حيث قالت:
أتيتُ أسعى إلى أبوابِ شارقةٍ
الحبُّ راحلتي والشعرُ ميقاتي
ومن هنا أحرمتْ للهِ أوردتي
ثم استقامت وصلّتْ فيّ أبياتي
أنا (السعوديةُ) الغرّاءُ من رئتي
تنفّس الشعرُ في قلبِ (الإماراتِ)

هنالك علق الشاعر مخلص الصغير مقدم الأمسية مخاطباً الشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر، مشيداً بضيوف المهرجان قائلاً: لله درك ودر اختيارك أيها البريكي! أنت تختار ونحن نحتار! ثم قدم الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم قائلاً: تمّ تكريمه في الدورة الخامسة عشرة من المهرجان، وعاد اليوم ليكرمنا حين يلقي آخر ما انتهت إليه تجربته الشعرية الزاخرة. وقرأ الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم مجموعة قصائد قصيرة قدَّم لها بقوله:
سألني أحد الإخوة قبل الدخول لهذه القاعة عن الحزن، فقلت له: لا حزن الليلة. وبما أنه ليس لدي سوى القليل من الفرح سوف أراوح بينهما!
ثم ألقى نصوصاً شعرية قصيرة مكثفة الصور، والمعاني، ومشحونة بجمال البلاغة، والمفارقات اللغوية، وجدت تجاوباً كبيراً من الجمهور منها نص “إعادة” الذي قول فيه:
‏بردٌ
‏مدفأةٌ
‏ووسادةْ
‏وحبيبٌ يسكبُ في كوبكَ شاياً
‏يتمرأى في عينيك
‏وينسى الشايْ
‏تلك الصورةُ
‏تحتاجُ إعادةْ

ثم قدم الشاعر مخلص الصغير الشاعرَ الأردني عبدالله أبو شميس، واصفاً إياه بالشاعر متعدد الأصوات، متعدد المرجعيات، البعيد عن أوهام الأنا والذات. وبادر أبو شميس باعتلاء المنبر، فشكر دائرة الثقافة والقائمين على المهرجان، ثم قرأ قصيدتين، كانت الأولى بعنوان: راحيل، أو سباعية الآلام، موظفا القصص الديني، ومستخدماً تقنية القناع، وإعادة الخلق الشعري للقصة القرآنية، إذ استحضر قصة سيدنا يوسف (عليه السلام)، في نص تفعيلة بائي مضمخ بالوجع والوجل لعب فيه على وتر الشكل والمعنى، محلقاً بالمستمعين في فضاءات المجاز في قالب فني جميل. وفيها يقول:
عندما رجعوا بقميصِ حبيبي
صرختُ بيعقوبَ:
قد فعلوها!
قال: قد فعلوها..
وبكى قمرٌ فوق خيمتنا
وهوى كوكبُ
ولكنّني إذ شممتُ القميصَ
هتفتُ بيعقوبَ:
هذا دمٌ كَذِبٌ
قال: هذا دمٌ كَذِبُ!

أما خامس شعراء الأمسية، فقد كان الشاعر السوداني محمد المؤيد المجذوب، الذي قدَّمه الشاعر مخلص الصغير، مستحضراً مقولة نزار قباني عن السودان، حيث تساءل قائلاً: هل كان نزار يتنبأ بما يجري اليوم؟ مشيراً إلى اكتظاظ القاعة بالحضور، داعياً الشاعر للمنبر.
ابتدأ المجذوب قراءته بتحية صباحية إلى حبيبته، في قصيدة رشيقة الحرف جميلة المعنى، تجلى فيها الشعر على صهوة السهل الممتنع، ثم روى ما قال له الغراب، في قصيدة مثقلة بالرؤى الفلسفية، ومعطرة بالرقّة الصوفية الشفيفة التي عدَّت ثيمة يتميز بها الشعر السوداني قال فيها:
من أنت؟
قال غرابي المذبوح في كتفي
يواري سوءة الموت الأخيرة
قلت:
كنا فكرة مرتاحة
(إذ لن نمر على الشقاء بأي يوم)
ثم كان..!
خطيئة كبرى أتت
حتى تعلمنا الحياة..

ختاماً، كان ضيف الأمسية الشاعر الفلسطيني المناضل المتوكل طه، الشاهد على نصف قرن من الوجع الفلسطيني، والمدون له عبر عشرات الدواوين والنصوص والدراسات، محاولاً لمَّ شتات فلسطين التي تفرَّق دمها، وسال على يد المحتل. والذي ابتدأ قراءاته بسينية محلقة أهداها للمصطفى (عليه الصلاة والسلام)، حمّلها بجراح فلسطين وأوجاعها، في إسقاطات شعرية جميلة، وفي قصيدة “هي أمي” يقول:
كلُّ أُمٍّ في حينا هي أُمّي
من ثوبها الأرضُ،
وفي حضنها يهبطُ المرسلون،
وفوق يديها الجبالُ ورفُّ الطيور التي
صعدت للتلال،
وأردانها الشجرُ الأرجوانيّ والبرتقال،
وأذيالُه البرقُ لمّا يمور،
وأوسطُه النّحلُ حين يثور،
وأعلاهُ نافذةٌ للمَلاكِ الذي سيدفُّ بأجنحةِ الشَّهدِ
فوق القباب.

شاهد أيضاً

الشاعر محمد المنصوري للوكالة : لاعيد إلا بلقاء الأحبة

عبر الشاعر محمد المنصوري، عن سعادته بحلول عيد الفطر المبارك . وقال في تصريح لوكالة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *