للمجتمع السوداني خلال شهر رمضان عاداته الاصيلة وتقاليده الراسخة التي تجسد قيم المحبة والتواصل الاجتماعي وتنم عن التجانس بين افراده. ويبدأ الاحتفال بشهر رمضان عند أهل السودان قبل مجيئه بفترة طويلة؛ فمع بداية شهر شعبان تنبعث من المنازل السودانية رائحة جميلة، هي رائحة ” الأبري” أو “المديدة”.
ويستقبل أهل السودان شهر الخير بالفرح والسرور، ويهنئ الجميع بعضهم بعضًا بقدوم هذا الشهر المبارك، من عبارات التهنئة المتعارف عليها بينهم في هذه المناسبة قولهم: “رمضان كريم” وتكون الإجابة بالقول: “الله أكرم” أو: “الشهر مبارك عليكم” أو “تصوموا وتفطروا على خير”. ومما يلفت النظر عند أهل السودان أن ربّات البيوت اعتدن على تجديد وتغيير كل أواني المطبخ، احتفالاً وابتهاجًا بقدوم شهر رمضان. كما تبدأ المدافع في الانطلاق عند كل أذان مغرب، معلنة حلول موعد الإفطار، وقبل الفجر للتنبيه على الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات. ومن المعتاد في هذا البلد تأخير أذان المغرب، وتقديم أذان الفجر، احتياطًا للصيام
ويعتمد اهل السودان هناك في إثبات هلال رمضان على ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية من اذاعة وتلفاز بهذا الشأن، وقلما تجد من الناس من يخرج طلبًا لالتماس الهلال، لكن هنالك بعض الناس يعتمد استطلاع الهلال بالطريقة الشرعية، ولا يعتمد فيما وراء ذلك على شيء. وبصفة عامة، لا يختلف ثبوت رمضان في هذا البلد المسلم، على امتداد مساحته البالغة ” 2.5″ مليون كيلو متر مربع تقريًبا، من مكان لآخر.
وعند ثبوت رؤيته الهلال يحدث ما يُعرف بـ ” الزفة” إذ تنتظم مسيرة مكونة من رجال الشرطة، والجوقة الموسيقية العسكرية، ويتبعهم موكب رجال الطرق الصوفية، ثم فئات الشعب شبابًا ورجالاً. وتقوم هذه ” الزفة” بالطواف في شوارع المدن الكبرى، معلنة بدء شهر الصيام
ثم هناك الطرق الصوفية، وهي كثيرة ومتعددة ومتنوعة، منها ” الختمية” و” القادرية” و” الإسماعلية” وغيرها، ولكل منها أنشطتها الدينية المختلفة التي تقيمها في زواياها الخاصة، ويؤمها كبار السن بعد المغرب لقراءة قصة المولد النبوي، وسماع المدائح النبوية، وإقامة الأذكار بواسطة ما يُدعى ” النوبات” وهي طبلة كبيرة من الجلد، تُقرع بالعصا، وتستمر تلك الجلسات والنوبات حتى منتصف الليل
وحالما يتم الإعلان عن بدء شهر الصوم، تبدأ المساجد في إضاءة المصابيح الملونة على المآذن والأسوار، وتظل الأضواء الخاصة طوال ليالي رمضان.
ومع حلول موعد الإفطار يتم شرب ” الآبريه” ويُعرف بـ ” الحلو – مر” وهو شراب يروي الظمآن، ويقضي على العطش الذي تسببه تلك المناطق المرتفعة الحرارة. و” الآبريه” كما يصفه أهل تلك البلاد، عبارة عن ذرة تنقع بالماء حتى تنبت جذورها، ثم تُعرَّض لأشعة الشمس حتى تجفَّ، ثم تطحن مع البهارات، وتعجن وتوضع على هيئة طبقات في الفرن حتى تنضج . ويستعد الناس عادة لتحضير هذا الشراب قبل رمضان بأشهر، فإذا جاء الشهر الفضيل تقوم النساء بنقع ” الآبريه” بالماء فترة حتى يصبح لونه أحمر، ويفطر عليه الصائمون، فيشعرون بالري والارتواء بعد العطش والظمأ طوال النهار . ومن الأشربة المشهورة عند أهل السودان في هذا الشهر الكريم شراب يُصنع من رقائق دقيق الذرة البيضاء، حيث تطهى على النار، ويُعمل منها مشروب أبيض يُعرف بـ ” الآبري الأبيض” له خاصية الإرواء والإشباع، إضافة إلى شراب ” المانجو” و” البرتقال” و” الكركدي” و” قمر الدين” ونحو ذلك.