الجمعة, 29 مارس, 2024
الرئيسية / قسم الاخبار / الاخبار الرئيسية / الجزائر تكرم محمود درويش

الجزائر تكرم محمود درويش

 

استذكر الشاعر والكاتب والناقد الادبي عباس بيضون صديقه الشاعر الكبير محمود درويش في كلمة القاها خلال احتفال تكريمي لمحمود درويش نظمته دار البرزخ بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية.

فقال بيضون :” كان يتلفن لي من وقت إلى وقت ليحدثني طويلاً عن الشعر وأحسب أن محمود درويش كان يخرج من وحدته بهذه التلفونات الطويلة التي يتواصل بها مع أصدقاء وغير أصدقاء. كنّا كلما التقينا في بيروت أو باريس يحدثني عن الشعر، وقدّر لي أن أحاوره حول الشعر في حديثين نشرا في “الوسط” وفي “السفير”. حديث الشعر قد يختصر صلتي بل صداقتي لمحمود درويش، أحسب أنّها تحت هذا العنوان كانت صداقة جزئية. مع ذلك قد أكون شاهداً مناسباً على انشغاله العميق بالشعر وبالأعمال الشعرية. أشهد أنّ محمود كان متابعاً حصيفاً لما يصدره وله رأي ثاقب في كل ما يقرأه. يفاجئ من يظنون هذا أنّه في نجوميته لم يكن يلتفت إلى صنيع زملاء في الظل أو في الضوء الجانبي. بلى كان يلتفت وكان يكترث وكان يحسب حساباً لكل رأي في شعره ويقلق عند صدور كل ديوان. لعل تفكير محمود درويش في الشعر كان يتزايد بتقدمه في السن إلا انه لم يكتب في هذا الباب كما فعل شعراء آخرون. ما كان يتكلم عن الحب أو الموت أو الطبيعة أو الحياة الشخصية إلا والشعر هو الخلاصة لا أعرف سر تحفظه. كان سؤال الشعر بالتأكيد يملأ حياته لكنه فضل ان يترك شعره بلا رديف نظري، لعله شاء أين يحرر النقاد والقراء من هذه التبعة وأن يُخلي لهم الطريق فيدخلوا إلى شعره بمفاتيحهم هم ومنطلقاتهم. لكن هذا لا يسعف كثيراً نقاداً أو قراء يفضلون أقصر الطرق وهي أن يدخلوا شعره بمفاتيحه وأن يقرأوه بعينيه. لم يقدم محمود درويش هذه الخدمة لكن أكثر قرائه لم يُبادروا. جعلت الشعبية الكبيرة لمحمود درويش قراءته تقف أحياناً عند أبسط المعارج وأكثرها عامية، أو جعلتها ذات مستويات عدة قد يكون أدناها قريباً من الكليشيه والعمومية. أما قراء النخبة فأحجموا غالباً عن النبش في العمل الشعري وعن هيكليته وكشف لعبه وحيله. لقد أخذوا هم الآخرون تقريــباً بفتــنة هذا الشــعر واكتــفوا بدفـئه وحميميــته. استسهل الجميع الدخول إلى شعر محمود ولم يُبالوا بأنّ هذه السهولة خادعة وقفزوا عن الفخاخ المنصوبة على الطريق. تجاوزوا الانزياحات العميقة والدقائق والتباينات التي غدت فنّ الشاعر الأثير، تباينات وانزياحات فيما يبدو واحداً ومتصلاً ومندمجاً. كان هنا بالتأكيد أكثر من السهولة الممتنعة. كان هنا فن مركب ولعبة من دقائق وظلال لافتة وظاهرة، لكن الذين يستعجلون الوصول إلى النهايات الخادعة أيضاً كانوا يمرون عليها ولا يبالون بغرادة الشاعر الصريحة بأن يقفوا بل وأن يتحيروا. أن يتأملوا هذه الفوارق الخفية، والتي هي عذاب مكتوب، الفوارق بين المرء ونفسه، بينه وبين آخره، بينه وبين جسده وموته وإقامته ولحظته وغربته، بينه وبين عدوه العالق معه في ذات الحفرة. لم يكن أحد ليستصعب القفز على هذه الكسور أو تجاوزها. لقد تم غالباً تجاهل النداء الصريح لمحمود بأن لا يُصدقوا، فما هو أمامهم ليس سوى مناظر متحركة متغيرة إلى حد الخداع. ما أمامهم هو في الغالب شيء لا يلبث أن ينفي نفسه أو يكذّبها أو ينكسر باتجاه معاكس. إقرأ ايضاً: آب اللهاب «يلفح» الدولار..«الأخضر» يتجاوز الـ31 الفاً! كان نداء الشاعر صريحاً لكنه لا يستفز. لقد أعمت الكثيرين الألفة فلم يفهموا ما فيها من إلحاح فعلي. كان الشاعر في هذه المطارح يتوسلهم أن يتوقفوا. أن يروا لعبة الظلال أو محنة المعنى، أن يفهموا أنّ الالتباسات هي مفاصل النص وأنّ بقع اليقين القليلة ليست سوى استــراحات عرضية. إنّها في النص الدرويشي من تقلبات النفــس، جوعــها وكسلها، وهي استراحات لا تلبث ان تأكلها الظلال. الأغلبية التي قرأت محمود استراحت هنا وحسبت أنها بلغت الغاية. في حين ان القصيدة الدرويشية تظل تقشّر الحقيقة حتى لا يبقى في النهاية واقع مشوب بالوهم أو وهم مشوب بالواقع. كان محمود يرسم بخطوط منكسرة يرونها أو يريدونها مستقيمة. كان يحيّر الأشياء، يجذبها إلى لغة فوق طبيعتها أو يجرها إلى ضد وسلب داخلي، مع ذلك كان يبدأ من الأشياء قبل أن يحولها بإشارة لطيفة يتراءى أحياناً أنها من وجنسها ويعود إلى الأشياء. كان يقيم في التباين والتفارق لا في التضاد، وأشياؤه تتعذب بطبيعتها وتتحول من نفسها، طالما أحبّ محمود المثنى الذي كان في الغالب بورخسياً، فهو الأنا واثنا النفس، ثم إنه اثنا كل شيء. لطالما جعل لكل شيء قريناً وتكلم هو كقرين ورديف. كان يحيّر الأشياء يجذبها إلى لغة فوق طبيعتها أو يجرها إلى ضد وسلب داخلي ما يمكن أن أقوله اليوم، أنّ محمود كان يتلفن من وقت لآخر ليتكلم عن الشعر، مع ذلك لم يكتب عن الشعر لأنه فهم أن الشعر يُفكّر كحيرة لا تترك محلها شيئاً. القصيدة الناجزة هي كل برهاننا على الشعر وبدونها لا يكون موجوداً، وقد اعطانا محمود نماذجه ورحل. لم يكتب عن الشعر حتى حين كتب. تلك قصيدته إلى شاعر شاب هل المثل، لم يقل فيها إلا ما يقال. وحتى في مقاطع أكثر خصوصية ظلَّ حذراً، لكننا نجده يتكلم كثيراً عن الشعر حين لا يكون الشعر هو العنوان. كان الشعر هو السر في كلامه عن أي شيء. بل يخطر لي الآن أنّ أواخر قصائده كان الشعر موضوعها الأول. ما كان يتكلم عن الحب أو الموت أو الطبيعة أو الحياة الشخصية إلا والشعر هو الخلاصة. الشعر يرث العالم والشعر هو الذي يبقى. إنّه في التباس الأشياء وتفاوتها وتباينها وفروقاتها المعذبة وانكساراتها، انه بين الجلد واللحم بين الكلام والشفة، بين الأنا والأنا، إنه أيضاً في توتر الأشياء وكسوفها وتبددها، في علاقاتها الخفية ومستقبلها. تكلم محمود كثيراً على الشعر في أواخره، وكان الشّعر فيها استعارته الكبرى وضالته، وإذا أصغينا على هذا النحو فسنسمع كثيراً.

شاهد أيضاً

الشاعر اليمني عبد الغفور عبد الله يعلن قبول اعتذار الفنانة التونسية يسرى محنوش وينتظر التنفيذ العملي لما تم الوعد به

  قبل الشاعر اليمني عبد الغفور عبد الله اعتذار الفنانة التونسية يسرى محنوش عن قصيدته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *