السبت, 4 مايو, 2024
الرئيسية / حوارات وتصريحات / هلال كوتا: قصيدة النثر العربية ما زالت تعاني التأرجح في تسمياتها

هلال كوتا: قصيدة النثر العربية ما زالت تعاني التأرجح في تسمياتها

الشعر العربي مع العربي نفسه أصبح دون ملامح

قصيدة النثر هي وعي وتحتاج الى اسلحة ثقافية كثيرة

شاعر حمل العراق بين جوانحه وحلق عاليا وحط في بلد آخر، كتب شعره بألم وأسى على ما حل في بلده وعلى ما أصابه هو من غربة في بلده، وجد الشعر ملاذه ليعبر عما بداخله من أسى، فوجد فيه أصدق صديق، ربما يعيش حالة استقرار اليوم لكن منابع شعره هناك عند أهوار الرافدين وعند دجلة الخير تستفق منهالحبر لتكون مدادا لبوحه، هو الشاعر العراقي هلال كوتا الذي كان ضيفنا في هذا الحوار

هلال كوتا اسم في عالم الشعر العراقي فمن هو ؟

هو عراقي عاش محنة الحروب والسياسات الرعناء والعوز والفاقة فأراد ان يوثق ما مر به فأختار الشعر مدادا لذاك، ولكن صُدم بقوالب تحدد مساحة المشاعر وحداثة بلا روح تحقق للعربية كينونتها، فأختار الاقرب للمشاعر تعبيرا وصدقا وبقيم عربية، ربما ما يميزنا على رأي بعض النقاد، اننا نسعى الى تأسيس قصيدة نثر عربية عكس ما يكتُبه الكثير من تقليد للنتاج المُترجم.

تعيش اليوم في غربة عن العراق لأي درجة وقدت فيك الغرب نار الشعر؟

دعني اقولها بصراحة، انا اعيش اليوم استقرارا مع النفس فقد تخلصت من الغربة التي كادت تقتلني وانا في بلدي الأم، ها وقد اصبح لي وطننا لا يوزع موته على الارصفة ويحترم انسانيتي ويفرض علي وفق مقاييس الاحترام ان احترم قوانينه واهله، لذا من يوقد في جمرة الشعر لا هكذا شعور  وانما مصادري التي مازلت محافظا عليها متواصلا معها، فمن يعرفني يعرف بأن المكان معدوم لدي سواء في الحياة او عند الكتابة وكثيرا ما اركن رأسي لمسندة التاريخ، لكن مع هذا ثمة محنة اعيشها غير الغربة فاليوم اعاني من صدق هذا المجتمع في التعامل لذا اجدني غير مقنع لنفسي احيانا وهذا ما لا يـَخلق درامة او حدث يجعلني اتقد ولكن اجده جيدا ليس من حيث الكم بل من حيث النوع فهنا الاحداث والمتغيرات لا تؤثر على شكل ونوع النتاج واجواء التأمل متاحة للابداع وهذا ما يجعلك منفردا في الفكرة والطرح، اما هناك في الواقع العربي ارى اليوم نسخا من الشعراء لموضوع وقصيدة واحدة .

وهل أصبح شعرك ينحى منحى شعر الحنين ؟

الحنين موجود ونحن في احضان الاوطان، ربما اصبح الحنين الآن بلا امتداد او مشتركات، فأنا اسمح لنسمات الحنين وفق ضوابط واشتراطات ومنها انني اسمح للنفس وقلمي بالحنين ولكن دون حنين العودة. وما نصوصي السابقة الا كم من الحنين لوطن وحياة كنت اعيشها وشعر بغربتها ضمن أُطر الوطن.

في غيابك عن العراق كيف ترى حال الشعر العراقي في الوطن؟

ليس العراقي منه فقط، حال الشعر العربي مع العربي وغير العربي اصبح دون هوية وبلا ملامح ولا يحقق ما كان يحققه الشعر في تغيير الواقع والاحداث او العودة الى القيم ولا يحقق للشعر ماهيته، فاليوم شاعر واحد بنسخه المتعددة او قصيدة بتأويلاتها والارقام المضيئة ممن يكتبون الشعر قليلة عربيا وعراقيا وتُعاني من محاربتها من قبل نسخها او حتى من المؤسسات الثقافية التي يهيمن عليها من لا يمتلك ابسط مقومات الاصغاء او التلقي, ولكن كمعدل ونسبة العراق اولا بعيدا عن كوني عراقيا.

وماهو دور المؤسسات الثقافية العراقية في رعاية الشعراء والشعراء الشباب؟

لا ثقافة في المؤسسات الثقافية من حيث التعامل مع المبدع فالمقرب لتلك المؤسسات من لعق لسانُه فضلات البذاءة او من يمتلك ذيلا طويلا وحبلا قصيرا ويعرف حدود الحظيرة ومنصاعا لكل ما يُسيء للمبدع ويقلل من شأنه. اما عن رعاية الشباب من الشعراء فقد تكاد ان تكون منعدمة فما يؤسس من مشاريع للاعتناء بهكذا شريحة اصبح مغتصبا من اخرين يسيرون على الاشتراطات السابقة، فالمتمردون منهم انتهى زمنهم وتم اساكتهم منذ زمن بعيد عبر التجاهل وعدم دعواتهم الى المحافل الثقافية، والبعض الاخر متآمرين على انفسهم ويسلموا لتلك المؤسسات الحبل معقودا بالولاء، فبعد ان تأخذ بيد احدهم كصديق وبدافع المحب للادب وكارها لبعض سياسات تلك المؤسسات يقوم بتجاهلك ونسيان ذلك الفضل ويعقد صداقة مع مبدعين دون مشتركات كالماغوط وانسي وحمزاتوف, ليبرز اسمه وكأنه كان جلسيهم او كان يراسلهم ليأخذ عنهم المشورة وتهذيب ما يكتبه, متناسيا اسمك او جهدك في صقل موهبته التي كادت ان تضيع منه بيد هكذا مؤسسات.

يعيش شعراء العراق حالتين الأولى الشعر العمودي والثاني قصيدة النثر كيف ترى مستقبل الشعر العمودي الموزون في ظل الحداثة؟

يكاد ان يكون هذا السؤال حوارا كاملا لوحده فشجون متعددة، فصراع الضربين يخلق جمالية وابداع وما شكل العمود الحديث الا لقاحا نتج عن تقارب ضربين شعريين ولكن فقدت القصيدة قصديتها فيما بعد واصبحت قصيدة البيتين او الثلاثة في ظل وجود ابياتا لا معنى لها او لتكرارها بصياغات مختلفة، كذلك اصاب قصيدة النثر ما هو اسوء من ذلك واتى بمن استسهل كتابتها وجعلها خاوي او من حاول ان يمثل العمق في ظل غياب الوعي او التلقي وحالة الانحدار الثقافي وتراجع مناسيب الثقافة العربية التي اصبحت هجينة بما لا يسر النفس.

وكيف ترى مستقبل قصيدة النثر العربية؟

قصيدة النثر العربية مازلت في مهدها الاول وارى أن اغلب ما كـُتب سابقا لا يؤكد عربيتها لدى غير العرب ولا للعرب انفسهم  فهي تعاني التأرجح بين تسميتها وما ينتج من تقليد مبلغ به للنتاج المُترجم وتراكيبه ومفاهيمه وقيمه التي لا تعبر عن  عروبتها ولا روح الشرق فيها . لا قصيدة نثر عربية دون تحديد مصادرها العربية وتعبيرها عن قيم ومفاهيم قائليها او إقناع المتلقي بعربية مبدعها، فهناك الكثير منها يصلح الى ان تكون لشعراء غربيين او اسيويين فوحدة اسم شاعرها الذي يدل على انها عربية.

كما ان هناك من قتل هكذا ضرب شعري عظيم بمسرحتها او نقل افكار الكاريكاتير وتعكس على مقومات فنون لا تنسجم مع روح الشعر وكم الوعي في قصيدة النثر، فأنا اجد ان قصيدة النثر عود الى اهم مصدرين اسسها لها وهما اللغة القرآنية واللغة التاريخية وان منزلتها ان تتوسط المصدرين فلا تناص مع القرآن ولا ان تتحول الى دعاء او خطبة بلاغية.

ارى لها مستقبلا باهرا ما يُصحح مسارها وابعاد الطارئين عنها، فهي قصيدة وعي وتحتاج الى اسلحة ثقافية كثيرة وشيطنة اقناع للمتلقي الذي توارث سماع الموزون شعرا حتى وان خلى من الشعر.

وهل هي في صراع مع مؤيدي الشعر العمودي؟

الصراع يخلقه الذين لا يمتلكون ذائقة سليمة ولا أفقاً جمالياً، ولكن المحاكات والتناغم يمتلكها عكسهم والذين يخلقون لقاحا فكرياً

ان واقع قصيدة العمود يحزنني اكثر فكثيرا ما نقرأ ونسمع قصائدا دون قصدية وممزقة الافكار او نرى تكرارا ير مبرر ولا نحصل من القصيدة سوى بيت او بيتين وهنا استثني الارقام المضيئة شعريا والذين يحفظون ماء وجهها، كما ان هناك اعادة تدوير للافكار والموروث العربية اصبح معرضا للنهب من قبل المعاصرين للفكرة او للمضمون .

وفي المشهد تكثر السجالات حول النقد البناء والنقد الشخصي المسيئ كيف توصف هذه الحالة؟

النقد قبل اي شيء هو انطباع ويبقى النقد رأيا، وقيل قديما الشعر بخير مادام النقد بخير وواقعنا اليوم يشهد تراجعا اقل ما يُقال عنه بالمُخزي فالكثر من الجوائز تُباع وتُشترى واقلام يُدفع لها لتكتب عن منجز واخرى يحكمها عامل الصداقة والقرابة والتوصية .

وارى المشكلة في النقد العربية،برأيي،تكمن في غياب النقد الثقافي والاهتمام بالنقد الادبي الذي اسس لشيوع ظواهر سلبية تم توارثها وادت الى تراجع العقلية العربية التي مازلت الى اليوم تؤمن بالقبلية والوحشية والثأر، كما ان هكذا غياب لم يكشف لنا زيف التاريخ واصبح مصدره الاساس يعتمد على العاطفة او لمن يدفع اكثر ليُخلد .

  اما عن النقد المسيء فلا يصدر الى من المرضى، فمن يسيء للجمال او من يحاول حجبه الا القبيح .

العامل المشترك في هكذا انتكاسات هو غياب الوعي وانعدام المتلقي الذي يخلق لدينا تساؤلات ونحسب له حسابا ونحذره.

وصفت مجموعتك ” رصاصة ليست للحرب” بأنها ثنائية الحياة والموت، فإذا كانت الرصاصة ليست للحرب فماذا تكون، وكيف استطعت توظيف المعنى الشعري في خدمة الشعر؟

كلنا يعرف ان اللغة اداة ووسيلة للوصول لغاية، وعربيتنا علمتنا عدم الجمود في المعنى وفتح الاقواس للمعاني والتحليق بأجنحة اللغة للوصول لغاية المعنى وتحقيق الانفراد، وقد حاولت جاهدا ان اعطي للمفردة المعنى غير المتعارف والذي يعود الى اسس صحيحة ولكنه يحقق غاية الانزياح لتتخلص اللغة من قيودها، وما وضيفة الشاعر الا هكذا اشتغال .

اما عن القائل بأنها ثنائية الحياة والموت، فأجده صائبا في هكذا رأي من حيث الاشتغال فالرصاصة تقتل وهناك رصاصة تحيي عندما تقف مع الحق وتدفع الظلم وما فيها من صراع الخلود ايضا يتناغم مع هكذا رأي .

رصاصة ليست للحرب يتساءل قارئ العنوان مايرمي هلال كوتا من هكذات عنوان وتجذبه للغوص في غمار المجموعة فحبذا لو تضع جمهور الوكالة بصورة عن هذه المجموعة ؟

من اهم اشتراطات قصيدة النثر العربية برأيي،بعد التكثيف, اشتراط التأويل فالمفردة لابد من تعدد اشتغالاتها ونزياحها، فهناك من تقتله الكلمة وهي رصاصة من حيث العمل الوظيفي وهناك رصاصة لمقاتلة القتلة وهي تدعو للسلام فمن الإجحاف ان نسميها رصاصة حرب وهناك امثلة كثيرة وما يدريك بأنني قد اقصد هكذا قول ليأتي الجواب : بلى انها للحرب .

ان افتح باب قلبي للمتلقي في ان يخلق تأويلا يجده مناسبا وما قلته هو جزء مما سمعته من تأويلات وجمهور الوكالة له منزلة النبض من القلب وهذا ما يجعلني لا اصادر حقه في التأويل واكمال معنى ما اردت قوله.

وهل أخذت حقها في النقد؟

لا ابحث عن حقها الان فلا اريد لنتاجي ان يعتمد على متطلبات الحاضر ولا على وجودي في الحياة وانما ابحث عن خلودها وخلودي ولكن رغم ذلك فقد اخذت حقها من نقاد اعتز بقلمهم وصدق ما يكتبون دون مؤثرات جانبية غير احرف المجموعة وحدها .

كيف تمارس حياتك الشعرية في الغربة؟

ان لا امارس الشعر متقصدا او مقتحما خلوته بل هو يجذبني اليه متى ما أحس هو بقدوم خطى الالهام فالشعر يكتبني لا اكتبه، ولا اخفيك سرا انني احافظ على وهج جمرته عبر كتابة فن ادبي اخر كالمذكرات او كتابة المسرح واحسب ذلك استمرارية لوهجة ومتى ما ناداني اليه وجدني على اهبة الاستعداد شاعرا تطوي عنقه القصيدة منجذبا اليها بحب مُسبل اليدين مُستسلما لنشوة معانيها واحيانا دكتاتوريا في زج المفردات بتكثيف، واعطي لكل حرفه حقه ومستحقه من الاحساس والدفء كي لا يخدش صدر المتلقي .

وماذا تحضر لجمهورك من جديد؟

اعمل على تهذيب مجموعتي الثانية” آخر الربذيين” والتي لا يعلم بنصوصها حتى المقربين من هلال، كما انني اكملت كتابة مسرحية وفي طور كتابة اخرى تحت عنوان ” الارقام المضيئة” واعيش حالة حب مع وطن جديد، ومؤمن بحقيقة ان كل الاوطان خائنة الا حضان الامهات.

وبماذا نختتم هذا الحوار؟

وهل يُختم بغير الشكر لك يا صديقي ولوكالة انباء الشعر التي عرفت بالكيثر من الاسماء وغيرت مسارات الثقافة وحافظت على مُثل الادب، وشكر موصول لكل من يقرأ هذه الحروف ويعذر لهلال صدقه ومحبته للادب

شاهد أيضاً

دعوات لتحويل شعر الأطفال إلى هدف تربوي

  ناقش مهرجان الشارقة القرائي للطفل، أهمية الشعر وكيفية الاستفادة منه كأداة تربوية تعزز تفاعل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *