الأحد, 5 مايو, 2024
الرئيسية / دليل الأمسيات / “لامية العرب” في النادي الثقافي العربي

“لامية العرب” في النادي الثقافي العربي

نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، الخميس، أمسية أدبية عن بعد، خصصت لنقاش كتاب (لامية العرب: قراءة نقدية أنثروبولوجية) لمؤلفه الباحث ضياء الجنابي، وهو من إصدار دائرة الثقافة في الشارقة عام 2019، وناقش الكتاب الدكتور محمد الأمين السملالي، الباحث اللغوي في الدائرة، وعقب عليه الباحث والإعلامي فواز الشعّار، وأدار الأمسية محمد ولد محمد سالم رئيس اللجنة الثقافية في النادي، وتابعها عدد من المثقفين وأصدقاء النادي، في مقدمتهم علي المغني نائب رئيس مجلس إدارة النادي، الذي شكر المشاركين والمتابعين للأمسية، وأشار إلى أنها تأتي في إطار جهود النادي لتغذية الساحة الثقافية في هذه الظروف التي فرضتها جائحة كرونا، وذلك بوصف النادي أحد منابر الثقافة المهمة في الإمارات.

وهذه هي ثاني الأمسيات الثقافية التي ينظمها النادي عن بعد، وكان قد نظم في بداية هذا الشهر أمسية شعرية اشترك فيها الشعراء: أكرم قنبس ومحمد إدريس وحسن أبوديه، وقد شهدت تلك الأمسية مشاركة واسعة من الجمهور، وقدم الشعراء خلالها قراءات شعرية تعددت جوانبها بين الغزل والوطن والحنين.

في مستهل مداخلته ذكر الدكتور محمد الأمين السملالي أن الكتاب يقع في (327) ص من القطع المتوسط، وينقسم إلى سبعة فصول، في الفَصْلُ الأَوّل: أَهَّمُ الكتبِ والمَخطُوطاتِ التي تناولتْ “لاميّة العرب”، والفصلُ الثّاني: ظَاهرةُ الصَّعاليك، أَضواءٌ على نشأتهم وحركتِهم الاجتماعيّة والسياسيّةِ، والفَصْلُ الثَّالِث: القَصائدُ المسمّاةُ الّلامِيّاتُ الشَّائِعَةُ فِي الشِّعرِ العَرَبِي، والفَصْلُ الرَّابِع: الشَّنْفَرَى شَاعِرِ لَامِيَّةِ العَرَب، والفَصْلُ الخَامِس: بَعْضُ سِمَاتِ شِعْرِ الصَّعَالِيك، والفَصْلُ السادس: في مدار قصيدة “لاميّة العرب”، والفَصْلُ السابع: نصُّ “لاميّة العرب” مع شرح موجز.
وبين الباحث الأسباب التي دعت المؤلف إلى تأليف الكتاب، وهي تقديم “لامية العرب للشنفرى” هذه القصيدة العملاقة المهمة إلى الجيل العربي المعاصر والأجيال القادمة من الذين لم يتنعموا بمثل هذه النفائس الإبداعية المهمة ذات الذائقة الرفيعة في أدبنا العربي، والاستفادة من الدرر اللغوية والبلاغية الثمينة التي تكتنزها هذه القصيدة، والتعرف إلى المعيار الوظيفي والجمالي للأدب العربي، وكذلك تبيان الأهمية القصوى التي تستبطنها هذه القصيدة للجيل العربي المعاصر من حيث قوة اللغة ومتانتها وسمو المستوى الفني فيها، وتسليط الضوء على المفاهيم الأخلاقية الإنسانية السامية المنبثّة في هذه القصيدة كونها تشكل منظومة قيميّة مسبكة البناء تقف على دكة عالية من النبل الإنساني الذي يسهم في ترسيخ القيم الأخلاقية الرفيعة.

وتوقف الباحث عند كل واحد من فصول الكتاب بالشرح والنقاش، ومن أهم الفصول التي تناولها الكتاب فصل “القصائد المسماة باللاّميات في الأدب العربي”، وهي القصائد التي نسجت على منوال لامية العرب، وحاكتها إيقاعا وتصويرا ومعاني، ومنها: “لاميّة العجم” لمؤيد الدين الطغرائي، و”لامية الهنود” للقاضي عبد المقتدر الدهلوي، و”لاميّة الكرد” لزين العابدين البرزنجي، و”اللاميةُ الأمويةُ” لأبي الفضل الوليد، و”لامية الروم” لابن الحكيم الحنفي الحلبي.

ومن الموضوعات المهمة التي في الكتاب ذلك الفصل الذي تناول حياة شاعر اللامية “الشنفرى”، واسمه عند أغلب المؤرخين: ثابت بن أوس الأزدي. والشنفرى لقبٌ غلب عليه، ويعني (غليظ الشفتين)، وقد قُتل الشنفرى عام 510 ميلادي، وقيل عام 70 قبل الهجرة، الموافق 525م، وهو أحد الصعاليك المعروفين الذين عاشوا أغلبهم مشردين لأسباب متعددة منها التمرد على القبيلة بسبب ظلم الأقارب، ومنها اختيار حياة اللصوصية ما يجعل قبيلته تتبرأ منه، الثأر، وغير ذلك، ومن هؤلاء الصعاليك برز شعراء أفذاذ على رأسهم الشنفرى وتأبط شرا وعروة بن الورد، وقد دافعوا في شعرهم عن قيم نبيلة، وأخلاق عالية، وهو ما ينطبق على لامية العرب.

ولم ينس الباحث أن يستعرض نماذج من القصيدة اللامية، تبين مدى نصاعة وقوة بيانها وجمال تصويرها، ورفعة نفس صاحبها ومن اختياراته، قول الشاعر في مستهلها:

أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ * فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ * وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ
وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى* وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ
لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ* سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ

ومنها:

وَإنّي كَفَانِي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً* بِحُسْنَى ولا في قُرْبِـهِ مُتَعَلَّـلُ
ثَـلاَثَـةُ أصْحَـابٍ: فُـؤَادٌ مُشَيَّـعٌ* وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْـرَاءُ عَيْطَـلُ
هَتُـوفٌ مِنَ المُلْـسِ المُتُـونِ تَزِينُـها* رَصَائِعُ قد نِيطَـتْ إليها وَمِحْمَـلُ
إذا زَلَّ عنها السَّهْـمُ حَنَّـتْ كأنَّـها* مُـرَزَّأةٌ ثكلى تُـرنُّ وَتُعْـوِلُ
وَأغْدو خَمِيـصَ البَطْن لا يَسْتَفِـزُّنيِ* إلى الزَادِ حِـرْصٌ أو فُـؤادٌ مُوَكَّـلُ

ومنها أيضا:

ولولا اجْتِنَابُ الذَأْمِ لم يُلْـفَ مَشْـرَبٌ* يُعَـاشُ بـه إلاّ لَـدَيَّ وَمَأْكَـلُ
وَلكِنّ نَفْسَـاً مُـرَّةً لا تُقِيـمُ بـي* علـى الـذامِ إلاَّ رَيْثَمـا أَتَحَـوَّلُ
أَطْوِي على الخَمْصِ الحَوَايا كَما انْطَوَتْ* خُيُوطَـةُ مـارِيٍّ تُغَـارُ وتُفْتَـلُ
وأَغْدُو على القُوتِ الزَهِيـدِ كما غَـدَا* أَزَلُّ تَهَـادَاهُ التنَائِـفَ أطْحَـلُ

ومنها:

وإنّي لَمَولَى الصَّبْـرِ أجتـابُ بَـزَّهُ* على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أفْعَلُ
وأُعْـدِمُ أَحْيَانـاً وأَغْنَـى وإنَّمـا* يَنَـالُ الغِنَى ذو البُعْـدَةِ المُتَبَـذِّلُ
فلا جَـزِعٌ مِنْ خَلَّـةٍ مُتَكَشِّـفٌ* ولا مَـرِحٌ تَحْتَ الغِنَى أتَخَيَّـلُ
ولا تَزْدَهِي الأجْهـالُ حِلْمِي ولا أُرَى* سَؤُولاً بأعْقَـاب الأقَاويلِ أُنْمِـلُ

وختم د. السملالي نقاشه للكتاب بالقول: “في الختام؛ أرى أن المؤلف قد وُفّق في اختيار هذا الموضوع، وتقديمه للقارئ المعاصر في شكل جديد مختلف عن المعالجات النمطية، مع وضع القصيدة في إطارها الشامل بوصفها دستوراً لحركة الصعاليك العتيدة، كما أن دائرة الثقافة أيضاً كانت موفقة باختيارها لهذا الكتاب ومنحه أولوية ضمن إصداراتها، التي تهتم بكل مجالات الأدب والثقافة”.

وفي تعقيبه على المناقشة قال الباحث فواز الشعار دائرة الثقافة في الشارقة، على هذا الإصدار الذي يساهم في تفعيل التراث الأدبي العربي، وجعله قريبا من القارئ، وقال: لقد حظيت لامية العرب باهتمام النقاد والشراح كما لم تحظَ قصيدة عربية، لمكانتها المتميزة، حتى زاحمت شهرتها المعلقات، ولم يقتصر الاهتمام باللامية على العرب وحدهم، وإنما تجاوزهم إلى المستشرقين، الذين أعجبوا بها فترجموها لتتمتع شعوبهم بهذا الأدب الرفيع، فهي درّة ثمينة ونصّ شعري راقٍ ومتن لغوي جدير بالشرح والتعليق، اشتملت على جزيل كلام العرب وفصيحه مع دقة المعاني وحسن البيان وتضمنت قيماً عربية أصيلة وخلالاً حميدة وسجايا رفيعة تدل على شرف الطبع وعظيم الخلق.

وأضاف الشعار أن من مميزات تلك القصيدة البينة، أثر الأصوات والأحرف في إثراء المعنى، ودور الكلمة في إبداع الدلالة، لأن الشاعر الخلاق هو الذي يملك زمام لغته، ثم مقومات التماسك النصّي حيث تتضافر عناصر البنية لصناعة الدلالة.

وأشار الشعّار إلى أن الصعلكة، وإن كانت تعني الفقر، فإن الاتجاه نحوها كان أحياناً لأسباب أخرى، ومنها نبذ القبيلة للفرد بسبب مكانته الاجتماعية أو لون بشرته، كما في حالة الشنفرى، وغيرها من الأسباب التي جعلت من الصعلكة ظاهرة قائمة بذاتها في العصر الجاهلي، وقد ولّدت هذه الظاهرة مجموعة من الشعراء الذين أثروا القصيدة الجاهلية بلونهم الشعري المتمرد.

شاهد أيضاً

“عذب المعاني” أمسية شعرية في ليالي الشعر ضمن “أبوظبي للكتاب”

  شهدت “صالة منف” في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، ضمن فعالية “ليالي الشعر” إحدى أهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *