الجمعة, 26 أبريل, 2024
الرئيسية / حوارات وتصريحات / العثمان: هذا هو ردي على نقد الحديثي لقصيدة (غرناطة) لنزار قباني

العثمان: هذا هو ردي على نقد الحديثي لقصيدة (غرناطة) لنزار قباني

ردا على ماكتبه الناقد العراقي حسان الحديثي في حديثه لهذا الخميس والذي عنونه ب “في مدخل الحمراء” وتحدث فيه كيف يقلب الشاعر بعض الهنات الى جمال في أعيننا منطلقا من قصيدة شاعر الحب والجمال نزار قباني كتب الشاعر والناقد السوري محمد طه العثمان: 

يطرح الناقد العراقي حسان الحديثي في معرض حديثه عن قصيدة (غرناطة) سؤالاً مفاده: “هل من الممكن أن يتوهم القارئ بالنصوص الأدبية والشعرية؟  وهل تغريه الأبعاد العاطفية في النص وتأخذه بعيداً عن الإبداع الأدبي فتحول النص بعينه من نص بسيط متواضع إلى نص جميل من خلال تأثيرات خارج حدود الشعر؟”  فكان جوابه  (نعم )، عندما وقع بهذا الشرك العاطفي في حداثة سنه فأحب هذه القصيدة، ثم يفند لنا هنات هذه القصيدة وسقطاتها مبيناً هشاشتها في كثير من المواضع، وأن العاطفة العربية في اختيار موضوعها هو الذي أثّر فينا، وحرضنا على التعلق بها، لذلك كان لا بد مني أن أناقش ملاحظاته:

1ــ يقول الحديثي مبيناً تعلق الناس بهذه القصيدة:

“هل يكمن السبب وراء ذلك إلى البعد التاريخي لقصر الحمراء وما يمثله من أثر عظيم -بشكل خاص- وما تمثله مملكة غرناطة -بشكل عام- ومأساة سقوطها وخسرانها هي وأخواتها من مدن الأندلس؟ والتي حاول من خلالها الشاعر محاكاة النفس العربية -عاطفياً- وهي تعاني من وطأة الانهزام والانكسار بتذكيرها بعظمة سلطانها مداوياً بذلك -ولو توهماً- بعض الجراح بإسلوب يتراوح بين الغزل المُلبس بالحُزن والبؤس والتي جعلهما الشاعر العلامة الأبرز في أبيات القصيدة؟”.

إذا كان الأمر بهذه السهولة والشاعر العربي يستطيع اختراق العاطفة من دون جهد؛ فقط لأن الموضوع هو المحفز الأساسي للقارئ على التلقي والاندماج، لماذا لم يحفظ الناس مئات القصائد التي تحكي خذلان الأمة العربية وضياع أمجادها وضياع فلسطين، هل يكتفي أن تكون العاطفة والموضوع هما الأفقان الفاصلان في تلقي الناس للنص..؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا لا تردد أبيات الجواهري مثلاً كما تردد أبيات قصيدة غرناطة، يقول الجواهري:

هل أنقذ الشام كتابٌ بما كتبوا       أو شاعرٌ صان بغداد بما نظما
فاضت جروح فلسطينٍ مُذكّرة       جرحاً بأندلسٍ للآن ما التئما
سيلحقون فلسطيناً بأندلـــــسٍ      ويعطفون عليها البيت والحرما
ويسلبونك بغداد وجــــلقــــــةٍ      ويتركوك لا لحماً ولا وعضما

علما أن الموضوع عظيمٌ والمقصد شريف، واللغة حماسية خطابية تقريرية، لكن  للأسف أرى هنالك سراً غير ذلك، هو تفجير طاقات الكلمات وتفعيل رؤاها وتدافع الشعرية (التشاركية) بين ذات الشاعر والقارئ إلى أبعد حد.

ثم يردف الناقد السؤال الأول بسؤال استنكاري ثانٍ مفاده: ” أم هي الديباجة التي أحاط بها الشاعر بعض ألفاظه متغزلا حيناً ومتأسفاً حيناً فقلب في أعيننا بعض الهنّات إلى جمال؟”

وسؤالي هنا : هل هذا الأمر من عيوب الشعر، أم هو من قدرات الشاعر الفذة؛ حين يستطيع المشاكلة بين هذه الأمور مع بعضها البعض ليحيل بالنهاية على البوابة الرئيسة التي دخل منه إلى عوالمنا المتأصلة،  فكانت هذه (الغرناطية)، التي ألمح نزار إليها منذ البداية، وكأنها معادله الموضوعي والإشاري لتاريخنا العريق في الأندلس وامتداده لحلمنا الجديد في العالم المتمدن الحداثي، هذا المعادل أو الأنموذج الفني خلق من خلاله نزار مساحات كبيرة للقول والاستشهاد بعظمة هذا التاريخ وتقاطعه معها من خلال ملامحها لذلك هذه قدرة كبيرة من شاعر كبير تحتاج لخبرة واسعة وشاعرية المتدفقة، حتى يستطيع الجمع بينهما من دون أن يشعرنا بفجوات غير منسجمة بين هذه الحسناء وهيامه بها مع تمثلها لشخصية الأندلس وعظمتها.

والآن سوف ننتقل إلى الانتقادات أو الهنات الشعرية التي جاءت في القصيدة حسب ما أوردها الحديثي، لنناقشها ونحاكمها.

ولكي لا يستعصي الفهم على القارئ العادي، لن أعمد إلى التحليل العميق وتقليب المعاني، سأعتمد على مبدأ بسيط في الردود، أساسه علم المعاني الذي اشتغل عليه الجورجاني في كتابه دلائل الإعجاز، هو (المعنى البعيد والإشاري).

يقول الحديثي:

” في مدخل الحمراء كان لقاؤنا    مـا أطـيـب اللقـيا بلا ميعاد

عينان سوداوان في حجَريهما      تـتـوالــد الأبـعاد مـن أبعـاد

هل أنت إسـبـانية ؟ سـاءلـتها     قالت: وفي غـرناطة ميلادي

 ومفردة “ساءلتها” حشو زائد لا محل له من المعنى أساءت للبيت كثيرا لأنه ابتدأ مستفهماً بـ “هل” .

يجد الحديثي مفردة ساءلهتا هنا حشوا أساءت للبيت فقط لأن الشاعر بدأ بالاستفهام، الإساءة تكون في استخدام مفردة بغير موضعها أو أنها تخلخل انسيابية البيت، أو أنها حشو لا فائدة منها، لكن إذا قرأنا البيت أكثر من مرة وتوخينا المعنى البعيد منها، نجد أنها لم تكن مجانية أبداً بل أكملت حميمية المشاركة في هذا المشهد الدرامي، مع حتمية معرفة الشاعر بهويتها، التي هي بالأساس هويته، فكانت مساءلة فيها تشاركية وحوارية لإعلاء المشهدية والحميمية في هذا الحوار.

ثم يكمل سرده للنص مظهراً إعجابه ببعض أبياتها وقدرته على الربط والمرور على تاريخ أمتنا من خلالها، حتى يصل إلى هذه الابيات، التي يقول فيها نزار:

ورأيت منزلنا الـقديم وحجـرة             كـانـت بها أمي تـمـد وسادي

واليـاسمينة رصعت بنجومـهـا            والبركـة الـذهبيـة الإنـشــاد

ودمشق أين تكون..؟ قلت ترينها        في شعرك المنساب نهر سواد

في وجهك العربي في الثغر الذي       ما زال مختزناً شموس بلادي

فيقول معلقاً : ” ولا يكاد أن ينتهي من هذا الوصف الساحر الذي ملأه فتنةً ودهشةً حتى يعود ليفاجئنا بوصف شعر فاتنته الجميلة مرة أخرى ولكن هذه المرة يقول عنه “كسنابل تركت بغير حصاد” وهذه كناية عن لون الشعر الذهبي الذي كان قد وصفه للتو بأنه “نهر سواد” فأوقع نفسه بين تشبيهين متناقضين مما أفسد على القارئ جمال وعذوبة ما قاله آنفاً.

سارت معي والشعر يلهث خلفها … كسنابـل تركـت بغيـر حصاد

ولا أظن أن هناك سنابلاً بلون أسود إلا إذا كانت محترقة لا نفع فيها كما لا تصلح للوصف والتشبيه”

وبقراءة بسيطة للبيت نجد أن نزار لم يتناقض نهائياً، فالمقصد من البيت الأخير واضح جداً، هو يريد أن يظهر كثافة هذا الشعر وغزارته وخصوبته، هو لم يلمح أو يشير نهائيا إلى اللون أو غير ذلك، بل أوحى إلى الغزارة من خلال الجملة الأولى (الشَّعْر يلهث خلفها) وهذه دلالة وإشارة واضحة على المعنى المراد بقصده  (تركت بغير حصاد).

أما في قول الحديثي ” يقع في هنة أخرى حين يشبه المفرد بالجمع “القرط” بـ “الشموع” مما أوهن البيت وأضعف وقعه وتأثيره في النفس من جانب ثم جعل الصورة مرتبكة مضطربة في الذهن من جانب آخر :

يتألـق القرط الطويل بجـيدها … مثل الـشموع بليلـة الميـلاد “

أنا لم أر أي اختلال على العكس هنا مهارة عالية في توظيف التوهج والِإشعاع والإشراق، فهي  صورية مجازية لأنها استعار من الشموع الميلادية قوة توهجها، لا تفاصيلها الشكلية، وهذا المعنى البعيد الإشاري من هذا الاستخدام، فالتشبيه هنا بين أمرين مجازين لا حسيين، إشعاع القرط لأنه صار بجيدها، مثل إشعاع شموع الميلاد.

أما ملاحظته الأخيرة التي وجدها عيبا شعريا وهنة في قصيدة نزار هي في بيت الأخير من القصيدة:

عانقت فيهـا عندما ودعتها … رجلاً يسمى طارق بن زياد

يقول الحديثي ” فبالرغم من جمال هذا البيت وما يبعثه في النفس -توهماً- من معان وأحاسيس وجدانية حاول الشاعر أن يكني بها عن انتماء الحضارات رابطاً الحاضر -بشخص دليلته الجميلة- بالماضي بشخصية القائد “طارق بن زياد” الشخصية التأريخية التي كان لها الأثر الاعظم -عسكريا- في التهيئة لتأسيس الدولة الأموية في بلاد الاندلس. إلا أنني لا أستطيع أن أتقبل قوله : عانقت فيها عندما ودعتها “رجلاً “

في هذا التأويل إجحاف كبير بحق شاعرية نزار، فهو أراد أمراً آخر تماما، هو أراد المعنى البعيد لشخصية طارق بن زياد في الذهن العربي وما تكتنزه من معان عظيمة، ( الرفعة والشموخ،  التاريخ المجيد ، أضف إلى جيناته المزروعة فيها) وهذه الأمور ما كانت لتتوضح لولا كل ما تقدم من ذكر في القصيدة، وقد مهد الشاعر بحرفية عالية لهذه الخاتمة الرائعة .

أخيراً، أريد أن أشير أنني قمت بالرد فقط على الملاحظات والهنات التي أشار إليها الناقد، ولم أتوسع نهائيا بجماليات القصيدة التي لا تنتهي، فهي ملحمة شعرية تكتنز على الدرامية العالية والتوظيف المتقن للتاريخ والشعرية والاستدعاء المحنك، مع استخدام موفق وعالٍ لحساسية الموقف، أضف إلى شاعرية نزار في الصورة الشفيفة المبتكرة، وانسيابيتها بشكل متدفق على يديه. ولعلي في قادم الأيام أكتب عنها بحثاً في ذلك.

شاهد أيضاً

الشاعرة نزهة غوطيس للوكالة : العيد هو يوم التسامح و السلام

  أوضحت الشاعرة نزهة غوطيس بأن العيد هو يوم التسامح و السلام ،تعم فيه الفرحة …

تعليق واحد

  1. د عبدالله الجبوري

    العملاق نزار وسيبقى كبيراً لكن للانصاف يجب ان نقر ان القصيدة هي مسروقة بكلها من قصيدة عمر ابو ريشة “في الطائرة” سرق نزار كل القصيدة معنى ومضمونا لكن لانه نزار سكت النقاد محاباة او جهلا او ترددا من ردة فعل عشاق نزار … نزار خاتمته غير موفقة البتة لكن خاتمة عمر هائلة تدعو للتأمل والصمت والعتب على نزار الذي سرقها فصدحت بها الاصوات
    وتغيب عمر :

    طلعةٌ ريّا وشيءٌ باهرٌ

    أجمالٌ؟ جَلَّ أن يسمى جمالا

    فتبسمتُ لها فابتسمتْ

    وأجالتْ فيَّ ألحاظًا كُسالى

    وتجاذبنا الأحاديث فما

    انخفضت حِسًا ولا سَفَّتْ خيالا

    كلُّ حرفٍ زلّ عن مَرْشَفِها

    نثر الطِّيبَ يميناً وشمالا

    قلتُ يا حسناءُ مَن أنتِ ومِن

    أيّ دوحٍ أفرع الغصن وطالا؟

    فَرَنت شامخةً أحسبها

    فوق أنساب البرايا تتعالى

    وأجابتْ : أنا من أندلسٍ

    جنةِ الدنيا سهولاً وجبالا

    وجدودي، ألمح الدهرُ على

    ذكرهم يطوي جناحيه جلالا

    بوركتْ صحراؤهم كم زخرتْ

    بالمروءات رِياحاً ورمالا

    حملوا الشرقَ سناءً وسنى

    وتخطوا ملعب الغرب !! نِضالا

    فنما المجدُ على آثارهم

    وتحدى، بعد ما زالوا الزوالا

    هؤلاء الصِّيد قومي فانتسبْ

    إن تجد أكرمَ من قومي رجالا

    أطرق القلبُ، وغامتْ أعيني

    برؤاها، وتجاهلتُ السؤالا

اترك رداً على د عبدالله الجبوري إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *