الخميس, 2 مايو, 2024
الرئيسية / قسم الاخبار / مارك توين.. الأب الحقيقي للأدب الأمريكي

مارك توين.. الأب الحقيقي للأدب الأمريكي

كانت حياة الكاتب الأمريكي «مارك توين» (1835-1910) سلسلة من المصائب، فهو الطفل المشاغب الذي لا يقول إلا ما يريده مهما كان قاسيا أو مريرا، لذا ظفر بعداء الجميع، وهو الاقتصادي الفاشل الذي يطارده الإفلاس في كل لحظة، وهو البائس الذي رأى أخاه يحترق فوق سفينة في البحر حتى إن شعره شاب في دقائق بعدها، ولم تكن هذه آخر مآسي حياته، لقد مات ابنه الأول وتوفيت زوجته، وكان لكل هذا أثره في أدبه، لقد ازداد سخرية وأصبح لسانا يصعب إسكاته مهما حاول هو، وبرغم هذا كان يحتفظ بالآراء الأكثر صراحة وقسوة لنفسه، ويكتب في الموضوع الواحد كتابين، كتابا يخفيه في درج مكتبه، والآخر يعرضه على الناس.
لم يكن لأي كاتب شعبية عالية بهذا القدر، سواء في أمريكا أو في غيرها في أي بقعة من بقاع العالم، حتى إنه من الكتّاب القلائل الذين كانوا يقدمون حفلات قراءة جماعية، حيث يشتري الناس التذاكر كي يجلسوا في مسرح كبير ليصغوا إليه وهو يقرأ قصصه، كما أن كل الأدب الأمريكي جاء من كتابه «مغامرات هكلبري فن». حيث كان الكتاب الأمريكيون الذين عاشوا في أوائل القرن التاسع عشر يميلون إلى التنميق المفرط، ويكتبون بوجدانية وزخرفة، لأنهم كانوا يحاولون إثبات أنهم قادرون على الكتابة بأسلوب أنيق مثل الكتاب الإنجليز.
أما أسلوب توين فقد استند إلى اللغة الأمريكية المحكية القوية والواقعية، فأعطى للكتاب الأمريكيين تقديراً جيداً لصوتهم القومي، فقد كان المؤلف الأول القادم من وسط البلاد، وتمكن من التقاط اللغة المحكية المحطمة للتقاليد، ولم تكن الواقعية بالنسبة له أسلوبا فنياً أدبياً فقط، بل كانت طريقة لقول الحقيقة والقضاء على التقاليد البالية، كانت هذه الواقعية وسيلة للتحرر العميق، وكان أشهر نموذج لها «هكلبري فين»، ذلك الولد الفقير الذي قرر أن يتبع صوت ضميره ويساعد أحد الزنوج الأرقاء على الهرب إلى الحرية، مع أنه كان يعرف أن في ذلك انتهاكا للقانون.
لقد وصف وليام فوكنر مارك توين بأنه «أول كاتب أمريكي حقا»، في حين أن يوجين أونيل أطلق عليه لقب «الأب الحقيقي للأدب الأمريكي»، وكان داروين يحتفظ بكتاب «أبرياء في الخارج» على طاولة بجانب سريره، ليكون في متناول يده، عندما يريد أن يسترخي قبل نومه، وقال إرنست هيمنجواي إن كل الأدب الأمريكي الحديث أتى من كتاب واحد من تأليف مارك توين هو «هكلبري فين»، في حين أن جريدة التايمز اللندنية منحته لقب السفير المتجول للولايات المتحدة الأمريكية، إذ إنه شهد أجزاء من العالم أكثر مما شهد أي كاتب أمريكي شهير آخر ممن سبقوه، وترجمت كتبه إلى أكثر من 70 لغة، وجعل منه رسامو الكاريكاتير أيقونة معروفة في أنحاء العالم.
يندهش الكثيرون عندما يعلمون أن عمل مارك توين في شبابه المبكر في إحدى المطابع قد أتاح له فرصة للمعرفة والثقافة، لا تتيحها المدارس والمعاهد النظامية، لأنه استطاع هضم الأدب الإنجليزي كله ولم يتعد سنوات المراهقة بعد، كما أنه قرأ في التاريخ والفلسفة وتمكن من إجادة عدة لغات، وهذا يدحض التهمة التي حاول بعض النقاد إلصاقها به، حيث ادعوا أنه لا يكتب ولا يسجل إلا ما يشاهده فقط، ولعل أكبر خاصية اشتهر بها هي سرعة البديهة ولمحاته المرحة في رواياته، لقد كان بإمكانه الانتقال من الدعابة المرحة إلى السخرية المريرة في لحظة واحدة.
علمت التجربة مارك توين ألا يقلل من أهمية الطاقة التحويلية للفكاهة والسخرية، فكان يقول في كتاباته إن الجنس البشري بفقره يملك سلاحا فعالا واحدا هو الضحك، فالسلطة والمال والإقناع والتوسل كلها يمكن أن تزول بفعل خدعة هائلة، بمجرد دفعها ومزاحمتها قليلا، لكن الضحك وحده يمكن أن يدمرها، محولا إياها إلى ذرات في انفجار واحد، إذ إنه لا يقوى شيء على الصمود أمام هجمات الضحك.
ضمن الشخصيات التي ابتدعها مارك توين يأتي «توم سوير»، الشخصية التي تم تنفيذها كمسلسل كارتون للأطفال، وقد نال شهرة عالمية، وهو طفل ريفي شقي طيب القلب، كسلان جدا، غير ناجح في المدرسة، إنه محط اهتمام زملائه، فهو الشخصية المحبوبة والأكثر شعبية في مدرسته، وقد اعتاد أن يساعده زملاؤه في حل واجباته المدرسية مقابل بعض الأعمال التي يقدمها لهم خارج الفصل، وغالبا ما يكون موجودا مع هكلبري فين هاك الطفل الذي تعلم أن يعيش وحيداً بدون عناية الكبار، وقد قام مارك توين بتأليف كتاب شهير عن هذا الطفل وحده.

شاهد أيضاً

تمديد المشاركات في جائزة «سرد الذهب»

  أعلن مركز أبوظبي للغة العربية تمديد الموعد النهائي لتقديم طلبات المشاركة في الدورة الثانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *