الخميس, 2 مايو, 2024
الرئيسية / دليل الأمسيات / مقاربة لأسئلة النص الشعري في دار الشعر بمراكش

مقاربة لأسئلة النص الشعري في دار الشعر بمراكش

 

أكد الناقد الدكتور أحمد قادم، عميد كلية اللغة العربية بمراكش، أن موضوع “النص الشعري وأسئلة البلاغة الجديدة” تقع في صلب أسئلة النقد الحديث اليوم، على ضوء ما أحدثته “البلاغة الجديدة” من إبدالات على مستوى الخطاب النقدي. ولا يمكن الحديث عن أسئلة البلاغة الجديدة دون التركيز على قضايا الحجاج، بصفته جوهر يسعى الى الوصول للحقيقة. وقدم الناقد قادم، في درسه الافتتاحي الذي نظمته دار الشعر بمراكش أمسية الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الثاني وشهد مشاركة الناقد الدكتور عبدالفتاح شهيد والناقدة مريم الخلفاوي، خلاصات أساسية تتعلق بمفارقات البلاغة “القديمة” والبلاغة “الجديدة”، معرجا على البلاغة الأرسطية والتي اهتمت بالخطابة والسفسطة، وتحديداتها ومفاهيمها، انتهاء بمقاربة تصورات بيرلمان للحجاج وبلاغة الإقناع.

وأثار عميد كلية اللغة العربية بمراكش، الناقد أحمد قادم، طرائق الجدل ومستوياته خصوصا حفرياته في التراث البلاغي والنقدي، معرجا على رؤى النقاد والبلاغيين القدامى (حازم القرطاجني)، وصولا الى كتاب بيرلمان حول البلاغة الجديدة. وخص في محور “الإقناع بين الشعر والخطابة”، ” ضبط المقومات الخطابية.. مع التركيز على مفهوم المراوحة بين المعاني الشعرية والمعاني الخطابية وطبيعة التعايش بين التخييل والإقناع”.

ولأن نظرية الحجاج أضحت من أهم المداخل التي يمكن التوسل بها لاستنطاق النصوص والخروج منها بخلاصات متعددة، خاصة تلك النصوص التي تتخذ من الإقناع غاية لها، ورغبة في تجاوز التصور الأرسطي القديم وإغراق البلاغة في البديعيات والمحسنات، تبدو الحاجة ماسة الى دلائل البرهان وليس الى المحتمل.

لقد ميز أرسطو قضية البراهين (التصديقات)، إلى ثلاثة أنواع هي على التوالي: الايتوس Ethos، الباتوس Pathos، واللوغوس Logos. وتستند الحجة البرهانية إلى مقدمات يقينية وتبعا لذلك فنتائجها قطعية، والحجة الجدلية تستند إلى مقدمات مشهورة ولذلك فنتائجها احتمالية، وتقوم الخطابة على مقدمات مظنونة ونتائج اعتقادية وإقناعية، والسفسطة على مقدمات مشبوهة ونتائج مغلطة، بينما الشعر فيرتكز على مقدمات مخيلة ونتائجه تخييلية.

وهكذا يرى الناقد أحمد قادم أن الذي يجمع بين أقسام المنطق من منظور حجاجي؛ هو أن هذه الأقسام تسعى إلى إنشاء الاعتقادات أو تثبيتها أو تغييرها لدى المخاطب، لكن لكل قسم منها طريقته الخاصة ومنهجه المتفرّد، كما أن هذا التنوع لا يلغي التراتبية بين أقسام المنطق؛ فالبرهان مثلا أقوى حجاجيا من الجدل. والجدل أعمق من الخطابة؛ لأن الفرصة تتاح فيه للمجادل للاعتراض على خصمه.

ولأن الشعر أقل حجية من الخطابة؛ لأن الإقناع بالتخييل يوحي بأن الناس خوطبوا بما غلطوا به. والحديث عن الحجاج في الشعر له ما يسوّغه في الحقل النقدي والفلسفي عند العرب، فقد نُظر إليه من زاوية قدرته على التأثير في المتلقي وجعله منصاعا لمقتضى القول. وقد لخّص حازم القرطاجني (684 هـ) هذا المعطى في قوله المشهور إن صناعة الشعر تستعمل يسيرا من الأقوال الخطابية، كما أن الخطابة تستعمل يسيرا من الأقوال الشعرية، لتعتضد المحاكاة في هذه بالإقناع والإقناع في تلك بالمحاكاة. وهي دعوة منه إلى ضبط قوانين المراوحة بين المعاني الشعرية والمعاني الخطابية، واعتراف صريح بالبعد الحجاجي للشعر وإن كان المقصد تخييليا، ذلك أن قيام الشعر على مقدمات تخييلية لا يلغي المداخل التأثيرية التي تستهدف المخاطب وتسعى إلى جعله منصاعا للقول إلى جهة الانقباض أو الانبساط.

ويكفي هنا، الإشارة الى قدرة الشاعر على استغلال الالتباس اللغوي في توجيه العبارات توجيها حجاجيا ومنح الحجاج بالعواطف مساحة كبيرة ضمن الحيّز الإجمالي للنص، خاصة الحجج الباتوسية، وتوظيف القيم والحقائق بشكل حجاجي يقلّل من نوازع الاعتراض. و”الكلام كله حجاجي”، مقولة طه عبدالرحمان لها ما يبررها، خصوصا عندما يستمد النص الشعري مقومات الخيال ومراوحته بين المعاني الشعرية والخطابية، لتبرز هذه العلاقة الجديدة بين النص الشعري والحجاج، من خلال إعادة النظر في قراءة الشعر من منظور البلاغة الجديدة.

وتناولت الباحثة مريم الخلفاوي، ضمن فقرة تعقيبات، موضوع النص الشعري والبلاغة الجديدة ضمن التركيز على مفهوم البلاغة الجديدة وآليات انتقال البلاغة من البلاغة الكلاسيكية الى البلاغة الجديدة، الى جانب تحديد تعريفاتهما ومفهوم الخطاب الحجاجي ومفهومي الشعر والتخييل.

لتفتح الباحثة نوافذ الاستقصاء عن آليات انتقال الشعر من الوظيفة الشعرية الى الوظيفة الإقناعية وأسباب توافق النص الشعري مع الحجاج وعن إمكانيات تحليل الخطاب الشعري باعتماد الحجاج، وتعالقات النص الشعري بما هو تداولي وحدود إمكانيات الشاعر في التحكم في العواطف في الشعر، لتقدم في نهاية مداخلتها نموذجا تطبيقيا للمنهج الاستدلالي الحجاجي في الشعر.

أما الناقد الدكتور عبدالفتاح شهيد، صاحب الاشتغال الجمالي للمعنى الأخلاقي والأنتروبولوجيا الثقافية، فرصد مشروع قادم الحجاجي، بدء من شعرية الإقناع في التراث النقدي والبلاغي”، وبلاغة الحجاج بين التخييل والتدليل، والتحليل الحجاجي للخطاب، الى جانب بحوثه ودراساته العديدة حول: اللغة الشعرية وأسئلة التلقي، الإلقاء في الشعرية العربية، والإقناع الشعري والإقناع الخطابي في التراث النقدي والبلاغي.

تشابكت أسئلة الشعر بأسئلة الحجاج، الشعر بصفته خطابا متحولا في مواجهة خطاب عقلاني وصارم بقواعده. ظل السؤال مفتوحا حول قدرة البلاغة الجديدة على ترسيخ قيم الحوار، وشعرية الإقناع وطرائقه في أنماط الخطابات. ومادام الحجاج لا يتعارض مع الخيال، وقدرة هذا الأخير على بناء الصور، تتشابك أسئلة جديدة تهم بلاغة الرجحان والمحتمل، وأيضا طرائق الدرس البلاغي في إعادة النظر في قضايا تهم جوهر الشعر وكنهه..

أسئلة من بعض قضايا أخرى توقف الدرس الافتتاحي، الخاص بالموسم السابع، ضمن استراتيجية دار الشعر بمراكش للانشغال العميق بقضايا الشعر، إبداعا ونقدا، ومواصلة لسلسلة البرامج والندوات والتي استقصت أسئلة وقضايا مركزية تهم الخطاب الشعري. وفي تركيز على الاجتهادات الحديثة اليوم، على ضوء ما تطرحه البلاغة الجديدة من زوايا اشتغال متعددة، خص الناقد الدكتور أحمد قادم، أحد النقاد المغاربة الذين انشغلوا ببلاغة الحجاج والتحليل الحجاجي للخطابات وباللغة الشعرية والإقناع الخطابي في التراث النقدي والبلاغي، مداخلته لتناول بلاغة النص الشعري، على ضوء مستجدات ما طرحته البلاغة الجديدة، والتي يعتبرها الناقد محمد العمري “دولة قائمة بذاتها”.

وارتباطا بما يطرحه النص الشعري، من زوايا اشتغال بلاغية وأسلوبية، وعلى ضوء الدراسات الحديثة اليوم والتي أعادت للبلاغة نسقها، ما أفضى، بحسب الناقد العمري، أن صارت للبلاغة جناحين: الأول نصي لغوي والثاني تداولي مقامي، وبذلك صرنا أمام بلاغات عامة وخاصة: بلاغة الشعر وبلاغة الحجاج.. في أفق أن تكون “البلاغة الحديثة النسقية” بما تفتحه من رؤى قادرة على تجاوز مضمون البلاغات المختزلة.. كي تساير مستجدات البحث العلمي.
ميدل ايست

شاهد أيضاً

إنطلاق “ليالي الشعر” في معرض أبوظبي للكتاب

  انطلقت فعاليات “ليالي الشعر”، إحدى أبرز فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024، الذي ينظمه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *